النظريات القانونيه
مدخل الى العلاقات الدولية
المطلب الأول: النظرية الواقعية
إن دراسة العالقات الدولية بمنهج علمي واقعي، هو من أحدث فروع العلوم االجتماعية. فلقد أدت الحرب العالمية الثانية والتطورات التي رافقتها إلى تحويل التفكير في العالقات الدولية من المثالية إلى الواقعية، أي من القانون والتنظيم إلى عنصر القوة، ببدء انتقال االهتمام من دراسة المنظمات الدولية ولقانون الدولي إلى دراسة السياسة الدولية واألحداث والظواهر السياسية، كما هي في الواقع وليس كما يجب أن تكون.
لقد جاءت الواقعية بعد الحرب العالمية الثانية، كنظرية سياسية تهدف إلى دراسة عامل القوة والحروب والنزاعات في فهم سلوكيات الدول، كعوامل مؤثرة في عالقاتها بعضها ببعض، دون أن تهتم ب المثل في دراسة العالقات الدولية. وتستقي الواقعية مادتها الخام من التاريخ لتصل إلى تعميمات حول السلوك الدولي، بتركيزها على الدولة القومية كأساس وكوحدة للتحليل.
وان الامكانيات المتوفرة لها تلعب دورا هامة في تحديد نتيجة الصراع الدولي وقدرتها على لتأثير في سلوك اآلخرين، شريطة إدراك أن قدراتها تتعدى الجانب العسكري المادي. فمقومات القوة القومية للدولة ال تقتصر فقط على بعدها العسكري، بل تشمل مستويات أخرى منها التطور التقني، األوضاع السكانية، المصادر الطبيعية، العوامل الجغرافية، شكل الحكومة والقيادة السياسية واأليديولوج ارتبطت نشأة المدرسة الواقعية بجهود الباحثين األمريكيين،
بدءا من عام 1940، مترافقة مع التوجه الجديد للسياسة الخارجية األمريكية، بعد تخليها عن النزعة األخالقية في سياستها الخارجية وتوجيه جل اهتمامها نحو المصلحة القومية التي اقتضتها األوضاع الدولية بعد الحرب العالمية الثانية القت هذه المدرسة خالل القرن العشرين، عددا من الفقهاء المناصرين المؤيدين لمنطلقاتها الأساسية، المتفقين جميعا على أن العالقات الدولية ال تقوم إال بين الدول القومية السيدة المستقلة، ولكن اختالفاتهم تمحورت حول كيفية قيام هذه العالقات بين الدول. فقد رأى نيكوالس سبيكمان أن العالقات بين الدول تمر عبر اتجاهات ثالثة:((. التعاون. أو تسوية الخالفات بينها. أو المعارضات والتناقض)).
ولكن لكي تضمن الدول بقاءها عليها حسب سبيكمان، أن تجعل هدفها لأول في سياستها الخارجية هو الحفاظ على قوتها أو زيادة هذه القوة، وألن القوة في معناها االخير تعني القدرة على خوض غمار الحرب فإن الدول تؤكد دائما على أهمية بناء مؤسساتها العسكرية.
أما هانس مورغانتو الذي يعتبر من أبرز الذين طوروا نظرية الواقعية السياسية، ومن أكثر منظري الواقعية وضوحا وصراحة في الواليات المتحدة األمريكية بعد الحرب العالمية الثانية من حيث تأكيده على دور القوة في العالقات الدولية واعتبارها تعبيرا عن المصلحة القومية. إنه يرى بأن السياسة الدولية تهدف إلى ثالثة أهداف:
((- إنها تهدف للحفاظ على القوة.- أو لزيادة القوة.- أو الظهار القوة)). بذلك يكون مورغانتو قد اعتبر أن القوة أو بصورة أدق التفتيش عن القوة أو الصراع من أجل القوة والسيطرة والنفوذ هي أساس كل عالقة دولية، وبرأيه أن جوهر السياسة الدولية مطابق لجوهر السياسة الوطنية فكالهما صراع من أجل السلطة.
فالعالقات في المجتمعات الداخلية تتم بين من بيدهم السلطة وبين من تمارس عليهم هذه السلطة، أي أنها عالقات بين حاكمين ومحكومين. بينما على الصعيد الدولي، فإن العالقات الدولية تتمايز بحسب مدى تطور وإنماء سلطة الدولة على الصعيد، فالدولة تقاس أهميتها ومكانتها بحسب ما تمارسه في ذلك المجتمعتعرضت المدرسة الواقعية لعدة انتقادات بسبب أخذها بمفهوم القوة كمتغير رئيسي في وضع نظام العالقات الدولية ومتابعة تطوراتها،
وإهمالها لباقي المؤثرات الاجتماعية غير المادية كالعوامل الروحية والمعنوية، مما ال يكفي لشرح وتفسير هذه العالقات بالإضافة إلى ذلك، هناك صعوبة في تحديد مفهوم القوة بصورة واضحة ودقيقة، بحيث ال يوجد قياس واحد ثابت لقياسه.
فقد تكون هذه القوة، حسب هوفمان، كمحدد للسياسة والقوة كمقياس للسياسة والقوة المحتملة والقوة المستخدمة… كذلك، فإن توازن القوى يحمل بين طياته معاني متعددة يصعب على الباحث وضع مقياس واحد لها بدقة. واجهت كذلك هذه المدرسة انتقادات أخرى، منها أنها تستخدم مفاهيم سياسية من الماضي، كالدبلوماسية السرية، الفصل بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية، كأدوات الدارة القوة وتحليل النظام الدولي المعاصر.
إن في ذلك مبالغة، وأن هذه المفاهيم أصبحت جزئية وبحاجة للتحديث كأدوات تحليل، بعد المتغيرات التي طالت النظام الدولي الحالي. وإن المصلحة القومية المعبر عنها بالقوة، متغير رئيس بحيث ال يمكن دراسة السياسة الخارجية بعيدا عن هذا المتغير.
وإن مفهوم المصلحة القومية قابل للبحث والنقاش، فليس من السهل قياسه وتحديده بصورة موضوعية، خاصة أنه أقرب إلى المفهوم الذاتي الشخصي منه إلى الموضوعي، فكل قائد سياسي يعطيه معنى مغاير الآخر. إن هذه الانتقادات وغيرها ساهمت إلى حد ما في إضعاف موقع المدرسة الواقعية وتبيان عجزها في دراسة العالقات الدولية، مما دفع للظهور، وفي أواخر سبعينيات القرن العشرين، مدرسة أخرى وهي “الواقعية الجديدة”، التي اعتبرت امتدادا لها ولكنها متطورة عنها من حيث انفتاحها على العلوم الاجتماعية الأخرى مستفيدة منها، بعد أن كانت قد سبقتها بالظهور المدرسة السلوكية.
المطلب الثاني: النظرية السلوكية
شهد عقد الخمسينيات من القرن العشرين، ظهور المدرسة السلوكية بهدف إيجاد “نظرية تعليلية تفسيرية وتنبئية”، باعتبارها على قواعد ومناهج بحث علمية ومقارنة، تقوم بمجملها على القياس الكمي للمتغيرات الواقعية في العالقات الدولية. إنها تحاول دراسة تأثير عدد قليل من المتغيرات على أكبر عدد ممكن من الحالات بشكل منتظم الستخراجلاستخراجالاستخراج أوجه وأنماط التشابه والتكرار الضرورية لبناء نظرية سياسية بمساعدة الحاسوب الإلكتروني وعلوم الرياضيات المتطورة،
عكس ما يفعله التقليديون بتقليلهم من عدد الحالات المدروسة وزيادة عدد المتغيرات يقول ديفيد غستون، أحد أبرز منظري هذه المدرسة قبل أن ينقلب عليها ويطلق أفكارا جديدة، إن هذه النظرية هي “تحليلية” عامة وليست خاصة وتفسيرية وليست معيارية “. تحاول هذه المدرسة الربط بين الظواهر السياسي والظواهر الاجتماعية لتخرج بنتيجة مؤداها:
إن السلوك السياسي هو جزء من سلوك اجتماعي عام. لذلك وبالرغم من انتقادها للمدرستين المثالية والواقعية الفتقادهماافتقادهمالافتقادهما لمناهج البحث العلمي، وباعتماد الأولى على القانون والثانية على القوة، برغم ذلك فإنهما يتبعان مفهومين أساسيين يمثلان جزءا كبيرا من الظاهرة السياسية الدولية.
أدخلت المدرسة السلوكية نظريات عديدة في العالقات الدولية غير علم السياسة، كالاقتصاد، وعلم النفس وعلم الاجتماع والرياضيات والديمغرافيا وغيرها من العلوم، واستفادت منها في بناء نظريات جزئية أو متوسطة في هذه العالقات، منطلقة من أن سلوكيات الدول هي أساس سلوكيات الأفراد والجماعات، باعتبارها سلوك البشر هو جوهر العالقات السياسية، لذلك كان تركيزها على دراسة السلوك السياسي للفرد والجماعة في إطار السلوك الإنساني عامة ترفض هذه المدرسة اعتماد فرضيات محددة في العالقات الدولية،
وآثرت اختبار صحة هذه الفرضيات بلجوئها إلى وسائل القياس الكمية لتحديد نتائجها العلمية. كما أنها ميزت عند الدراسة والتحليل بين القيم األخالقية والتفسير التجريبي، بحيث أن كل من هذين المفهومين فرضياته المختلفة عن الأخرى. واعتمدت وسائل دقيقة لجلب المعلومات وتحليلها، بهدف التثبت من صحة النتائج التي يتوصل إليها الباحثون على الرغم منهجية هذه المدرسة في البحث العلمي ومحاولة ربطها بالعالقات الدولية، فإنها تعرضت لبعض الانتقادات،
هذه أهمها:
– إن الفصل بين القيم السياسية أو غير السياسية المؤثرة في شخصية الباحث ونتائج البحث العلمي، كما تدعي هذه المدرسة، هي غير صحيحة بحيث أن القيم موجودة ومؤثرة في البحث ونتائجه- هناك فرق، أحيانا، بين التكهن والتنبؤ بالمستقبل، ومن الصعوبة التوقع الحتمي بحوادث المستقبل كما تدعي هذه المدرسة، خاصة إذا كان هذا التوقع يتعلق بسلوكيات البشر
– تنتقد السلوكية كذلك بأنها تبتعد عن الواقع الدولي، لعدم تمكنها من إخضاع بعض الظواهر الموجودة في العالقات الدولية، كالجوع والمرض وغيرها ومن الظواهر، للبحث العلمي، حتى أنه قيل فيها:” إنها تحاول إقامة نماذج جميلة وسهلة لواقع مشوه ومجتزأ بدل أن تهتم بدراسة الواقع “. إن هذه الانتقادات الموجهة إلى المدرسة السلوكية، دفعت بعض الباحثين والمفكرين إلى إجراء أبحاث ودراسات جديدة، شكلت فيما بعد، أفكارا وأطروحات لمدرسة جديدة سميت ما بعد السلوكية. *
المطلب الثالث: نظرية المدرسة ما بعد السلوكية
شهدت فترة ما بعد السلوكية عدة اتجاهات لدراسة العالقات الدولية، تعكس بدورها المشكلات التي تواجه هذه الدراسة أمام تعقد العالقات الدولية وتشعب موضوعاتها. فمنذ أواخر الستينيات من القرن العشرين بدأت تظهر تحولات وأفكار جديدة لدى بعض الباحثين في العالقات الدولية، مستفيدين من الانتقادات التي وجهت إلى المدارس السابقة، وملتقين مع حجج ومنطلقات بعضها محاولين بناء مدرسة جديدة
“مدرسة ما بعد السلوكية”
– تركز هذه المدرسة في منطلقاتها على أهمية القيم في أهداف البحث ومسلماته، وترفض المنطق الذي يقول بوجود بحث مجرد من أية قيمة، كما هو عند السلوكية، وتدعو إلى توجيه الأبحاث لخدمة السالم العالمي والابتعاد عن الحروب وبناء دولي أفضل.
– تلتقي كذلك، هذه المدرسة، مع المثالية من حيث إيمانها بالانسجام في المصالح بين الأفراد وبين المجتمع الدولي، وبين المصلحة القومية والمصلحة العالمية
– توجه هذه المدرسة دراسة العالقات الدولية
نحو إيجاد حلول للنزاعات الدولية المتعددة، وليس الاكتفاء فقط التعرف على هذه المشكلات والكشف عن أربابها
– تنطلق كذلك من أن هناك أطرافا أخرى فاعلة على صعيد السياسة العالمية، غير الدولة، تلعب دورا موازيا بالأهمية وأحيانا أكثر أهمية من العديد من الدول، كالكتل والمنظمات الإقليمية والدولية. ولم تعد الدولة، كما تدعي الواقعية، الطرف الأهم في دراسة العالقات الدولية خاصة بعد تشابك المصالح الدولية وظهور الشركات المتعددة الجنسية ليتداخل الاقتصاد بالسياسة وتخترق سيادة الدول.
– أخيرا، إن أهم الانتقادات التي وجهت إلى “مدرسة ما بعد السلوكية”، هي كالانتقادات التي وجهت سابقا إلى المدرسة المثالية من حيث أنها تخلط بين وصف الواقع وتقديم الإرشادات لتغييره، كدعوتها لضرورة وأهمية إقامة حكومة عالمية وإمكانية إقامة تلك الحكومة تلك كانت أهم المنطلقات والطروحات النظرية ألهم المدارس في العالقات الدولية.
للمزيد من الدروس أنظر إلى الأسفل 👇♥️