ملخص مادة العلوم القانونية ولاجتماعية لجامعة عبدالملك السعدي.
مـــــقـــــد مــــــــة:
إن المدخل إلى دراسة أي علم من العلوم، إنما يهدف عادة إلى التعريف بهذا العلم وإعطاء المعلومات الأولية عنه وبيان خصائصه التي تميزه عن باقي العلوم الأخرى وشرح مبادئه العامة وأفكاره الرئيسية بصورة تمهد لدراسة ذلك العلم نفسه فيما بعد.
ولا شك أن المجتمع الذي تخلو ربوعه من ظلال القانون سيكون بمثابة غابة يأكل القوي فيها الضعيف فتتعثر مسيرة الحياة، ويطغى الاضطراب وعدم التوازن فيها. وعلى العكس من ذلك يكون الأمر في المجتمع الذي يعيش تحت ظلال القانون حيث ترى التوازن بادياً فيه،
إذ أن تشبع فكر أبناء ذلك المجتمع بمبادئ القانون أضفى عليه صفة الاستقرار تلك، فالإيمان بضرورة وجود القانون وحتمية الامتثال لقواعده دليل على رقي فكر المجتمع وهذا هو شأن دراستنا “لمدخل القانون”، الذي لا يعدو أن يكون دراسة تمهيدية وشرح المبادئ العامة المشتركة في العلوم القانونية لتسهل لنا نحن طلاب العلم معرفة القانون وفهمه وتساعدنا على استيعاب أبحاثنا التي تلقى علينا في مشوارنا الدراسي…ولتحقيق ذلك تطرقنا في بحثنا هذا على تبيان ماهية القانون بدراستنا للقسم الأول من أقسام القانون ألا وهو التعريف بالقانون وبيان خصائصه…حيث أستهل البحث بتحديد مفهوم القانون ثم تطرقنا إلى خصائص القاعدة القانونية خالصين إلى التمييز بين القواعد القانونية وغيرها من القواعد الاجتماعية الأخرى…فتلك أسس و مبادئ لابد من التطرق لها في دراستنا لهذا الموضوع بغية إيضاح الأحكام والمبادئ العامة التي تستند إليها القوانين بكافة فروعها … فالقانون بكل فرع من فروعه يحفظ ويحمي حقوقا متعددة للأفراد والدولة وهو يرمي إلى تنظيم المجتمع تنظيما من شأنه
العمل على تحقيق الخير العام للأفراد وكافة المصلحة العامة للمجتمع ويعمل على صيانة الحريات للأفراد ومصالحها الخاصة، فالقانون أمر لابد منه، ولا يتسنى لمجتمـــع من المجتمعات مهما كانـــت درجة ثقافته أن يتملص نهائيا من وضع قواعد يمكنه من خلالها تسيير أموره. بناءاً على ما تقدم من حتمية وجود القانون في المجتمعات نعرف أن هناك أسباباً لنشأة القانون، ولنــــا
أن نتساءل لماذا بات وجود القانون ضرورة حتمية في المجتمع البشري؟..
المبحث الأول: تحديد مفهوم القانون
المطلب الأول: أصل كلمة قانون
إن كلمة “قانون” كلمة معربة يرجع أصلها إلى اللغة اليونانية فهي مأخوذة من الكلمة اليونانية Kanun ومعناها العصا المستقيمة أي النظام أو المبدأ أو الاستقامة في القواعد القانونية، وقد انتقلت هذه الكلمة إلى عدة لغات الفرنسية Droit والإيطالية Diricto واللاتينية Directus والإنجليزية Law، مما سبق يتضح لنا أن كلمة القانون تستخدم كمعيار لقياس مدى احترام الفرد لما تأمر به القاعدة أو تنهاه عنه أو انحراف عن ذلك فإن هو سار وفقا لمقتضاه كان سلوكه مستقيما وإن هو تمرد عنها منحنيا غير مستقيم.
كلمة قانون: يطلق مصطلح القانون على كل قاعدة ثابتة تفيد استمرار أمر معين وفقا لنظام ثابت فهو يستخدم للإشارة إلى العلاقة التي تحكم الظواهر الطبيعية أو للإشارة إلى العلاقة التي تحكم قواعد السلوك فيقال مثلا قانون الجاذبية وقانون الغليان وقانون العرض والطلب إلا أنه في مجال العلوم الاجتماعية وبصفة خاصة في مجال الدراسات القانونية ينصرف اصطلاح القانون
بصفة عامة إلى مجموعة القواعد التي تطبق على الأشخاص في علاقاتهم الاجتماعية ويفرض عليهم احترامها ومراعاتها في سلوكهم بغية تحقيق النظام في المجتمع. ويمكن تعريف القانون بمعناه الواسع ثم تعريفه بمعناه الضيق…
المطلب الثاني: القانون بمعناه الواسع و بمعناه الضيق القانون
بمعناه الواسع: مجموعة القواعد العامة المجردة التي تهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع، والمقترنة بجزاء توقعه السلطة العامة جبرا على من يخالفها. وهذا التعريف يشمل معه أيضا القواعد المعمول بها في المجتمع حتى لو كانت من قبيل العرف أو الدين أو الفقه أو القضاء.
القانون بمعناه الضيق: هو مجموعة القواعد الملزمة التي تصدرها السلطة التشريعية لتنظيم علاقات الأفراد ببعضهم أو علاقاتهم بالدولة في أحد مجالات الحياة الاجتماعية.
المبحث الثاني :خصائص القاعدة القانونية
القاعدة القانونية تعتبر الخلية الأساسية التي يتألف منها القانون بمعناه العام. وهي خطاب موجه إلى الأشخاص في صيغة عامة له قوة الإلزام.
المطلب الأول: القانون مجموعة من القواعد الاجتماعية.
القانون ظاهرة اجتماعية فلا قانون بلا مجتمع إذ هو تلك المجموعة من القواعد السلوكية التي تنشأ لتنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع ليفض ما قد ينشأ بينهم من تضارب ويحل ما عسى أن يثور بينهم من خلافات بحيث أنه إذا لم يوجد مجتمع فلا تقوم الحاجة إلى القانون، ويستوي أن يكون مصدر هذه القواعد هو التشريع أو مصدر قانوني نعترف به. وهذا القانون الموجه إلى الأشخاص إما أن يتضمن أمرا لهم بالقيام بفعل معين، أو نهيا عن القيام به، أو مجرد إباحة هذا الفعل دون أمر به أو نهي عنه. وفى إطار المجتمع الإنساني فإن المقصود بالمجتمع هنا ليس هو مجرد اجتماع عدد من الأشخاص لقضاء حاجة ما كالاستمتاع
بمنظر طبيعي، أو مشاهدة عرض معين، ولكن المقصود بالمجتمع الذي على قدر معين من الاستقرار أي المجتمع السياسي المنظم الذي يخضع أفراده لسيادة سلطة عامة تملك عليهم حق الجبر والقهر حتى ولو لم يتخذ هذا التنظيم السياسي شكل الدولة بمعناها الحديث. كما أن القانون لا يهتم بسلوك الإنسان إلا فيما يتصل بتنظيم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع أي السلوك المتصل
بالجماعة دون غيره من أنواع السلوك الأخرى التي ليست لها ذات الصفة.
المطلب الثاني: القاعدة القانونية عامة ومجردة
وتعني أنه يجب أن تكون موجهة للعامة بصفاتهم لا بذاتهم، وإذا كان الغرض منه هو تنظيم الوقائع فإنه يجب أن ينظمها لا بعينها ولكن بشروطها وأوصافها. ومعنى ذلك أن القاعدة القانونية يجب أن لا تخص شخصا معينا بالذات أو تتعلق بحادثة معينة، بل يجب أن تكون قابلة للتطبيق على كل من يمكن أن تتوافر فيهم الصفات والشروط التي تنص عليها. ولا يخل بعمومية القاعدة القانونية أن توجد قواعد تخاطب فئات معينة من الناس كالتجار أو المحامين أو الأطباء أو المهندسين أو الصحفيين. لأن هذه القوانين قابلة لأن تنطبق على فرد في المجتمع إذا توافرت فيه الصفة التي حددتها كشرط لتوجيه الخطاب، كما أنها
تخاطب أفراد هذه الفئات بصفاتهم لا بذاتهم.
المطلب الثالث: القاعدة القانونية ملزمة.
أي أن القاعدة القانونية يجب أن تتصف بالصبغة الإلزامية ونقصد بذلك أن يكون للقاعدة القانونية مؤيد أو جزاء، بحيث يجبر الأشخاص على إتباعها ويفرض عليهم احترامها ولو بالقوة عند الاقتضاء. ويتميز الجزاء القانوني بأنه مادي ملموس ويتمثل في كافة الوسائل والإجراءات التي تتخذها الدولة، ممثلة في سلطاتها المختلفة لضمان نفاذ المخالفة أصلاً، أو عن طريق معالجة الوضع
الذي أدت إليه المخالفة أو عن طريق ردع من قام بمخالفة القانون وإعادة إصلاحه. وإلزام القاعدة القانونية هو الخاصية التي تميزها عن قواعد الأخلاق والدين. ولهذا نقول بأن القواعد القانونية تكون دائما ملزمة للأشخاص و تبرز خاصية الإلزام في الجزاء الذي يوقع على من يخالف تلك القاعدة القانونية.
المبحث الثالث : التمييز بين القواعد القانونية وغيرها من القواعد الاجتماعية الأخرى
إذا كان القانون يهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع فليس هو وحده الذي يهدف إلى ذلك، إذ توجد إلى جواره قواعد أخرى تصبو لتحقيق ذات الهدف أهمها قواعد الدين وقواعد المجاملات وقواعد الأخلاق من ناحية أخرى.
المطلب الأول: القواعد القانونية وقواعد المجاملات والعادات.
تعتبر قواعد المجاملات والعادات والتقاليد مبادئ سلوك يراعيها الناس في علاقاتهم اليومية كتبادل التهاني في المناسبات السعيدة مع الأهل والأصدقاء، ومبادلتهم شعور الحزن والتعزية في المناسبات المؤلمة والكوارث وتبادل التحية عند اللقاء وغير ذلك من العادات المستقرة في ذهن الجماعة. إن هذه القواعد تختلف عن القواعد القانونية من حيث الغاية والجزاء فالغاية من قواعد القانون هي تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على كيان المجتمع أما المجاملات فهي علاقات تبادلية لا ترقى إلى تحقيق الخير العام بل تقتصر على تحقيق غايات جانبية يؤدي عدم تحقيقها إلى الانتقاص من المصلحة العامة واضطراب المجتمع. أما من حيث الجزاء فإن الخروج عن قواعد المجاملات يؤدي إلى تدخل السلطة العامة لإجبار الأفراد على احترامها كما هو الشأن بالنسبة
للقواعد القانونية.
المطلب الثاني: القواعد القانونية والأخلاقية.
قواعد الأخلاق هي قواعد سلوكية اجتماعية يعتبرها غالبية الناس قواعد سلوك ملزمة ينبغي على الأفراد احترامها وإلا استحقوا سخط الناس، فهذه القواعد تهدف إلى فعل الخير والوفاء بالعهود وغيرها من المثل العليا في المجتمع، إن هذه القواعد تختلف عن القواعد القانونية من حيث الغاية والجزاء، من حيث الغاية القانون يهدف إلى تحقيق غاية نفعية هي حفظ النظام داخل المجتمع، أما
الأخلاق فهي تهدف إلى تحقيق غاية مثالية لأنها تهدف إلى الارتقاء بالسلوك الإنساني إلى المستوى النموذجي الذي ينبغي أن يكون عليه هذا السلوك، فالقاعدة القانونية تنظم سلوك الأفراد في المجتمع مستهدفة حفظ النظام والاستقرار ومراعية في ذلك ما هو كائن بالفعل، ومتخذة من الشخص العادي نموذجا لها، أما قواعد الأخلاق فتهدف إلى السمو بالإنسان نحو الكمال، لذلك فهي ترسم نموذجا للشخص الكامل على أساس ما يجب أن يكون لا على أساس ما هو كائن بالفعل. أما من حيث الجزاء فالجزاء القانوني جزاء مادي، محسوس توقعه السلطة العامة، أما الجزاء الأخلاقي فجزاء معنوي يتمثل إما في تأنيب الضمير فيوقعه بذلك المرء على نفسه، وإما في سخط الجماعة واحتقارها للمخالف فتوقعه بذلك الجماعة على من يخرج على الناموس الذي وضعته لنفسها.
المطلب الثالث: القاعدة القانونية وقواعد الدين.
يقصد بالدين مجوعة الأحكام والأوامر والنواهي التي أقرتها الشرائع السماوية والمنزلة على الأنبياء والرسل قصد تبليغها للناس للعمل بها. وتختلف القواعد القانونية في الدين من حيث الغاية والجزاء فغاية الأحكام الدينية هي أن الدين بالإضافة إلى اهتمامه بتنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع فهو ينظم أيضا علاقة المرء بربه، وعلاقة المرء بنفسه، كما أنه يحاسب الإنسان على نواياه المحضة فإن كانت خيرا كتبت لصاحبها خيراً، وإن كانت شرا أحصيت
عليه شرا مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم “إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى..”، أما غاية القانون نفعية لأن قواعده تهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد لتحقيق المساواة والأمن بين أفراد المجتمع. أما من حيث الجزاء فإذا كانت كل من قواعد الدين وقواعد القانون لها جزاء يوقع عند مخالفة أي منهما، إلا أن مضمون هذا الجزاء يختلف في الأولى عن الثانية. فالجزاء
القانوني جزاء دنيوي – مادي – حال توقعه السلطة العامة، أما الجزاء الديني هو جزاء في الآخرة (وقد يصاحبه جزاء دنيوي) مؤجل يوقع.
خـــــــا تمــــــــة:
مما سبق يتضح لنا أن وجود القانون هو أمر ضروري لا يختلف فيه اثنان من أبناء الجنس البشري، إذ أن وجود القانون أمر يتناسب مع سلوكيات البشر في إدارة حياتهم. بل وجود القانون يتجاوز حدود المجتمعات البشرية ليصل إلى عالم الحيوان، فها هي ممالك الحيوانات بكافة أنواعها تراها قد جبلت وفطرت على الحياة المقننة في حين لم تمتلك تلك الجوهرة الثمينة التي يمكنها من
خلالها السمو والارتقاء ألا وهي جوهرة العقل، فكيف بذلك الكائن الذي قد ألقيت بين يديه هذه الجوهرة فهو لم يكن مفطوراً على حب الحياة المنظمة المقننة فحسب، بل كان بمقتضى تملكه للعقل قادرا على سن القوانين التي تنظم حياته على شكل مجموعة من القواعد العامة التي تنظم سلوك الإنسان في علاقته بغيره من بني البشر، يتجل ذلك في احتياج الإنسان إلى القانون لكونه مدني
بالطبع، أي ميله إلى الحياة الاجتماعية ونفوره من الحياة الفردية يفرض عليه إنشاء علاقات مع الآخرين، ومع تشعب هذه العلاقات واصطدام مصالح البعض بمصالح البعض الآخر، تصبح الحاجة ملحة إلى وسيلة يمكن من خلالها تنظيم هذه العلاقات. إذن فالقانون ضروري في حياة المجتمع مهما كانت ثقافة ذلك المجتمع و سواء كان بدائياً أم متوسطاً أم مثالياً في ثقافته و أخلاقه،
فهو لا غنى له في كل الأحوال عن القانون.
نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان و المكان:
أولا: نطاق تطبيق القانون من حيث المكان.
القاعدة هي أن قانون الدولة يطبق داخل غقليمها، ولا يتعدى أثره هذا الإقليم نظرا لأن سيادة الدولة تقع على كل القاطنين في إقليمها سواء كانوا وطنيين أو أجانب . وهذه القاعدة تسمى بقاعدة إقليمية القوانين.
ولكن يرد على هذا المبدأ استثناء حيث يطبق القانون على جميع الأشخاص الذين ينتسبوا للدولة حتى ولو كانوا موجودين في خارج إقليمها وهذا هو ما يعبر عنه بمبدا شخصية القوانين.
1~ مبدأ إقليمية القوانين .
إن من أبرز أركان الدولة المستقلة سيادتها، وسيادة الدولة تمتد إلى جميع أجزاء إقليمها وعلى جميع من يقطنون هذا الإقليم ، والقانون هو سيادة الدولة إن لم يكن أهم مظاهرها، ومن ثم فإن النطاق المكاني لسريان قانون الدولة إنما يتحدد بحدود إقليمها ويسري على جميع المقيمين فيه من وطنيين و أجانب، ولا يتجاوز سريانه هذه الحدود وهذا ما يعبر عنه بمبدأ إقليمية القوانين.
2~ مبدأ شخصية القوانين .
يقضي هذا المبدأ بأن القانون يسري على ابناء الدولة دون النظر إلى المكان الذي يقيمون فيه سواء أكانوا في بلادهم او في خارجها ، ولا يطبق القانون في هذه الحالة على الأجانب الموجودين داخل إقليم الدولة.
3~ الموقف المعتمد من طرف المشرع المغربي .
يعتمد المشرع المغربي مبدا إقليمية القوانين حيث تطبق قواعده القانونية على كل الأشخاص المتواجدين فوق التراب المغربي مغاربة كانوا أو أجانب، دون أن يتعدى نطاق تطبيقه التراب المغربي لكن هذا المبدأ ترد عليه إستثناءات:
~ بعض الحقوق المقررة في الدستور تقتصر على المواطنين دون الأجانب من ذلك حق الترشيح للإنتخابات….
~ طبقا لقواعد القانون الدولي العام فإن أعضاء البعثات الديبلوماسية ورؤساء الدول الاجنبية يتمتعون بحصانة قضائية مما يجعلهم لا يخضعون للقانون المغربي أثناء تواجدهم فوق إقليمه.
~ القانون الجنائي المغربي يطبق على الجرائم التي ترتكب في الخارج والتي تمس أمن الدولة الخارجي، كغرتكاب جناية حمل السلاح ضد المغرب، وهذا استثناء من قاعدة إقليمية القانون الجنائي.
~خضوع المغاربة المقيمين في الخارج فيما يخص أحوالهم الشخصية من زواج وطلاق وحضانة لمقتضيات القانون المغربي، أي مدونة الأسرة استثناء من مبدأ إقليمية القوانين، وفي المقابل فإن الأجانب المقيمين في المغرب يخضعون في علاقاتهم الأسرية وأحوالهم الشخصية لاحكام قوانينهم الوطنية.
ثانيا: نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان .
بما أن القانون هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم سائر العلاقات بين الاشخاص في المجتمعن وبما أن هذه القواعد يجب أن تساير التطور الإقتصادي و السياسي والإجتماعي، فإن الحاجة تدعوا بإستمرار إلى تحيين هذه القواعد بل وتغييرها عن طريق الإلغاء أو التعديل، وهو ما يترتب عنه عنه حلول قانون جديد محل القانون القديم الملغى أو المعدل، وهنا تثور مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان، إذ يستدعي الأمر تحديد نطاق تطبيق كل من القانون القديم والقانون الجديد.
1~ إلغاء القاعدة القانونية.
المقصود بإلغاء القاعدة القانونية وقف العمل بها وتجريدها من قوتها الملزمة ونزع الصفة القانونية عنها.
ويترتب عن إلغاء القاعدة القانونية إما إحلال قاعدة قانونية جديدة محلها، أو الإستغناء عنها بحيث لا يتم استبدالها بقاعدة أخرى.
والإلغاء يشمل سائر القواعد القانونية أيا كان مصدرها، غير أن هذا الإلغاء ينبغي أن يكون صادرا عن الجهة التي تملك إنشاء القاعدة القانونية، أو تلك التي تملك إصدار قاعدة أعلى منها درجة، مما يعني عدم إمكان إلغاء قاعدة قانونية إلا بقاعدة أخرى من نفس الدرجة أو أعلى منها.
والإلغاء يكون إما صريحا أو ضمنا.
~ الإلغاء الصريح،هو صدور تشريع جديد ينص صراحة على إلغاء التشريع القديم، أو ينص على إلغاء ما به من أحكام مخالفة له.
~ الإلغاء الضمني،هو الذي لا ينص فيه المشرع صراحة على إلغاء تشريع قائم، وإنما يستخلص من إقدام المشرع على إصدار تشريع جديد يتضمن قواعد متعارضة مع قواعد تشريع قديم، أو ينظم التشريع الجديد نفس الموضوع الذي كان ينظمه التشريع القديم.
2~ تنازع القوانين في الزمان .
قد يترتب على حلول قانون قديم تنازع بين القانونين بخصوص تحديد اي منها واجب التطبيق بالنسبة للوقائع والمراكز القانونية التي تنشا في ظل القانون القديم، ولا تكتمل عناصرها أو لا ترتب آثارها إلا بعد صدور القانون الجديد، وهو ما يطلق عليه مشكلة تنازع القوانين في الزمان.
ولحل مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان فإن أغلب التشريعات تاخد بمبدأ عدجم رجعية القوانين الجديدة. فما المقصود بهذا المبدأ(1) وما نطاقه(2) وما شروط إعماله(3) .
1~ تعريف مبدأ عدم رجعية القوانين واساسه
مبدأ عدم رجعية القوانين أن القانون الجديد لا يسري على الماضي، وإنما على المستقبل فقط، أي على الوقائع والمراكز القانونية اللاحقة على صدورهن أما الوقائع والمراكز التي تنشأ وتتم قبل نفاذه، فغنها تكون مشمولة بمقتضيات القانون القديم الملغى.
غير أن هذا المبدأ الواضح في مدلوله أثار إشكالات عديدة بخصوص نطاق وشروط إعماله، وذلك بالنسبة للمراكز القانونية التي تمتد في النطاق الزمني للقانون القديم والقانون الجديد، حيث عمل الفقه على تفسير مبدأ عدم رجعية القوانين وإيجاد الحلول اللازمة لمشكلة تنازع القوانين في الزمان.
أ: النظرية التقليدية، عملت هذه النظرية على تحديد المقصود بالأثر الرجعي على أساس التفرقة بين كل من الحق المكتسب ومجرد الأمل. فالقانون الجديد ينبغي ألا يمس بالحقوق المكتسبة في ظل القانون القديم، أي تلك الحقوق التي تدخل في ذمة الشخص نهائيا ولا يمكن نزعها منه إلا برضاه، وقد أورد أنصار هذه النظرية بعض الإستثناءات التي يجوز فيها أن يكون للقانون الجديد أثر رجعي رغم مساسه بالحقوق المكتسبة وهي كالتالي:
~ النص الصريح على الرجعية: أي أن المشرع ينص صراحة على أن مقتضيات القانون الجديد تطبق على الوقائع السابقة لنشوئه وذلك كلما إستوجبت المصلحة العامة ذلك.
~ حالة القوانين الجنائية الأصلح للمتهم: أي أن القانون الجنائي الجديد يسري بأثر رجعي على من ارتكب فعلا إجراميا في ظل القانون القديم متى كان القانون الجديد يمحو صفةالجريمة عن هذا الفعل، أو يخفف العقوبة عنه، ويشترط ألا يكون قد صدر بشأنه حكم نهائي.
~ القوانين التفسيرية: وهي القوانين الصادرة لتفسير قانون سابق، حيث تعتبر جزءا من هذا القانون، وبالتالي فإنها تطبق من تلريخ العمل بالقانون القديم، حيث يأخذ القاضي بالتفسير الذي تضمنه وذلك بالنسبة للمنازعات المعروضة عليه والتي لم يفصل فيها بحكم نهائي.
~ القوانين المتعلقة بالنظام العام و الآداب: هذه القوانين تسري بأثر رجعي رغم مساسها بالحقوق المكتسبة، كما هو الشأن في القوانين المحددة لسن الرشد أو تلك المعدلة لشروط الزواج وآثارها، فمثل هذه القوانين تصبح نافذة فور صدورها لما لها من صلة بالنظام العام.
ب: النظرية الحديثة،على ضوء ما وجه للنظرية التقليدية من نقد اتجه الفقه الحديث إلى إقامة نظرية جديدة تقيم حل مشكلة تنازع القوانين من حيث الزمان على أساس التفرقة بين الأثر الرجعي والأثر المباشر للقانون.
~ مبدأ عدم رجعية القانون: القاعدة أن القانون الجديد ليس له أثر رجعي، بمعنى أنه لا يرجع فيما تم في ظل الماضي. فهو لا يملك إعادة النظر فيما تم في ظل القانون القديم من تكون أو انقضاء مركز قانوني، فإن كان المركز القانوني قد تكون أو انقضى أو توفرت بعض عناصر تكونه أو انقضائه في ظل القانون القديم، فلا يمس القانون الجديد هذا التكوين أو ذلك الإنقضاء أو تلك العناصر، وإلا كان رجعيا و إن كانت الآثار المتولدة من مركز قانوني قد ترتبت قبل نفاذ القانون الجديد، فلا تأثير للقانون الجديد عليها، إذ ليس له أثر رجعي.
~ الأثر الفوري للقانون: طبقا لهذا المبدأ فإن القانون الجديد يسري بأثر فوري مباشر على المراكز القانونية الجارية، أي تلك التي في طور التكوين أو الإنقضاء، والمراكز التي لا زالت منتجة لآثارها، غير أن عناصر وأجزاء المراكز التي قد تكون اكتملت وانقضت أو أنتجت آثارها في ظل القانون القديم ، فإنها تظل محكومة بهذا القانون ولا يسري عليها القانون الجديد.