مقدمة عامة
تشكل اللامركزية في المغرب خيارا استراتيجيا يهدف إلى إقامة حكامة ودمقراطية محلية تحظى بالأولوية في السياسة العامة للدولة التي تسعى إلى جعل التدبير الترابي قاطرة للتنمية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
بهذا صارت الجماعات الترابية تحتل مكانة تنموية جد مهمة داخل الخطاب الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي جعلها تعتبر خلية وأداة للتنمية المحلية والتنمية الوطنية بصفة عامة، فالإصلاحات القانونية والترابية وخاصة منها المالية التي عرفتها هذه الوحدات الإدارية والترابية دليل على الأهمية التي أصبحت تكتسيها في الوقت الحالي،
ومن هنا صارت المالية المحلية كجزء، مكمل لمالية الدولة في السياسة العامة الاقتصادية والاجتماعية تحتل مكانة هامة تجعل منها العمود الفقري لكل سياسة ترابية تنموية، وتبقى مالية الجماعات الترابية المؤشر الحقيقي لنجاعة العمل الجماعي وتحتل الحيز الأكبر في المشاكل والمعوقات التي يعاني منها العمل الجماعي.
فمنح الجماعات الترابية استقلالية موسعة وربط ذلك بإمكانيات مالية وإدارة وتدبير جيد يعد الدعامة الأساسية للحكامة الجيدة الشاملة لترسيخ اللامركزية ودعم الدمقراطية وتعزيز سياسة القرب، من خلال إعطاء الأولوية للمجالات التي تهم الساكنة كتحسين النظام التمثيلي بإشراك المواطنين في تدبير وتقييم الشأن المحلي.
لذلك فالاهتمام بالمالية المحلية من خلال تنمية موارد الجماعات الترابية وترشيد نفقاتها يساهم في النهوض بدعائم اللامركزية والاستقلال المالي.
إلا أن هذا الأخير رهين بمدى توفر الموارد المالية على المستوى الترابي، فهذه الموارد باختلاف أنواعها وباختلاف وسائل تمويلها وتنوعها تبقى موارد ضئيلة لا ترقى إلى المستوى المطلوب مما ينعكس سلبا على تدبير الشأن الترابي
فكثيرا ما يبقى التدبير المالي تسييرا استهلاكيا فقط، مما يجعل ميزانية الجماعات الترابية تعتمد بالدرجة الأولى على موارد محولة من الدولة وعلى الاقتراض، الشي الذي يحد من استقلالية هذه الجماعات رغم الخطاب السياسي والاقتصادي المعبر عنه في دستور 2011 الذي قام بفتح ورش جديد للإصلاحات في اتجاه ترسيخ تحميل المسؤولية للفاعلين المحليين وإعادة تموقع الجماعات الترابية بمجرد تقديم خدمات للمواطن إلى تنشيط وتفعيل التنمية المحلية، والانتقال إلى مرحلة جديدة من اللامركزية الترابية قائمة على الديمقراطية التشاركية وديمقراطية القرب
وكذلك على تدعيم استقلالية المجالس المنتخبة إداريا وماليا في إطار ممارسة اختصاصاتها وفقا لمبدأ التفعيل (الفصل 140 من دستور 2011) ومبدأ التدبير الحر (الفصل 136 من الدستور) مع ترسيخ قواعد ومبادئ الحكامة الترابية الجيدة….
وعلى هذا الأساس يتم تقسيم هذه الدراسة إلى أربعة فصول:
الفصل الأول : الإطار العام للميزانية الجماعية
1- تعريف الميزانية
2- المبادئ التي تحكم الميزانية
الفصل الثاني : إعداد وتحضير الميزانية والتصويت عليها ثم المصادقة
تعتبر الميزانية إطار لوضع التقديرات، فهي ليست مجرد تمرين للتعرف المسبق بالمعطيات والإحصاءات وإنما التقدير يجب أن يجسد مخطط عمل يعرف ببرنامج عمل الجماعة، برنامج تنمية الجهات وبرنامج تنمية العمالات والأقاليم.
فالميزانية هي أداة للرؤية المستقبلية وليست مجرد استطلاع واستشراف المستقبل بقدر ما هي قراءة عملية لاحتمال وتوقع ما سيكون. فيجب أن يرتكز تقدير الميزانية على ما هو معروض حيث لا يمكن التنبؤ بالمستقبل واستشرافه بصورة صحيحة بدون معرفة دقيقة للحاضر الذي ينبني على الماضي ويستشرف منه ملامح المستقبل.
فتقدير موارد ونفقات الميزانية يتطلب الالتزام بمجموعة من القواعد والمساطر التي تعمل على جعل هامش الخطأ والاختلاف بين ما هو مقدر وما تم تنفيذه حقيقة هامشا ضئيلا.
فيتضمن هذا الفصل ثلاث محاور أساسية تتمثل في إعداد مشروع ميزانية الجماعات الترابية والتصويت على المشروع، ثم المصادقة على المشروع من طرف الهيئة الحكومية المكلفة بالداخلية.
الفصل الثالث: تنفيذ الميزانية المداخيل والنفقات
تبدأ مرحلة تنفيذ ميزانية الجماعات الترابية بعد المصادقة عليها من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية وتبلغها إلى الأمر بالصرف والخازن العام، فتتم مرحلة تنفيذ الميزانية وهي بمثابة التنفيذ الفعلي لعمليات الموارد و عمليات النفقات بنوعيها التسييري والاستثماري. وتتم هذه العمليات طبق قواعد التنظيم المالي النصوص المتعلقة بتطبيقها.
فيقصد بتنفيذ ميزانية الجماعات الترابية تحصيل الموارد والمبالغ المالية التي أدرجت فيها وإنفاق وصرف المبالغ المدرجة ضمن هذه الميزانية.
فهي مرحلة دقيقة يتم الوقوف فيها على كيفية تحصيل المداخيل وصرف النفقات الجماعية من الناحية الحسابية، وهي مرحلة تستدعي تدخل أجهزة مالية متخصصة في هذا المجال، فيعهد فتنفيذ الميزانية إلى كل من الأمر بالصرف والمحاسب العمومي.
إن عملية تنفيذ ميزانية الجماعات الترابية على غرار الميزانية العامة للدولة تخضع إلى القاعدة الذهبية المعمول بها في المجال المالي وهي الفصل بين الأمر بالصرف والمحاسب العمومي.
تنص المادة 3 من نظام المحاسبة العمومية للجماعات لسنة 2017 من المرسوم رقم 2.17.451 الصادر في 23 نونبر 2017 على أن ” يعهد بالعمليات المحاسبية المترتبة على تنفيذ ميزانيات الجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات إلى الأمرين بالصرف والمحاسبين العمومين”. فيتولى الأمر بالصرف التنفيذ الإداري للميزانية بينما يتولى المحاسب العمومي التنفيذ المحاسبي.
الفصل الرابع: الرقابة على ميزانية الجماعات الترابية
تهدف الرقابة في ميدان الممارسة المالية بمختلف أشكالها ومراحلها إلى ضمان احترام الشرعية وتحسين مردودية التسيير المالي للجماعات الترابية، فالرقابة لا تقتصر على ضبط المخالفات وتطبيق العقوبات بل تسعى إلى حث الفاعلين في المجال المالي على اتخاذ القرارات الملائمة للظروف المالية والمخططات الاستراتيجية.
وبالتالي تحسين طرق تسيير وتدبير الأموال العمومية للجماعات الترابية وفق المبادئ المنصوص عليها لتحقيق الحكامة المالية الجيدة، لهذا تخضع ميزانية الجماعات الترابية لأشكال وأوجه متعددة من الرقابة منها ما هو داخلي في شكل رقابة ذاتية تقوم بها مجالس الجماعات ومنها ما هو خارجي تقوم به أجهزة إدارية ومالية وقضائية.
__________________________________
المصدر كتاب ميزانية الجماعات الترابية للدكتورة زبيدة نكاز
اضغط هنا Google Drive
إضغط هنا Mediafire