
القانون الدولي في العصور الوسطى :
إن سقوط الإمبراطورية الرومانية تحت ضربات البرابرة ، قد جعل أوروبا تمر بمرحلة صعبة ونفق مظلم فلم یکن سائدا سوى منطق القوة وقانون الأقوى ، والعلاقات الدولية كانت عبارة عن سلسلة من الحروب المتتالية ويجب انتظار القرن الحادي عشر لتبدا ، وبشكل بطيء وتدريجي ، مرحلة جديدة مبنية على حد أدنى من التعاون ومن تنظيم هيكلة المجتمع الدولي . لقد تميزت القرون الوسطى بالصراع الدائم بين الكنيسة أو البابوية والإمبراطورية الجرمانية المقدسة للسيطرة على المسيحية أو العالم المسيحي ، الذي نشأ كدين في الشرق واتسع وانتشر فيما بعد في أوروبا . فالإمبراطور و البابا كانت لهما نظرة عالمية وشمولية ترتكز على مبدأ التاليه ، ولكن الاختلاف كان حول من له السيطرة الزمنية على الرعايا . منذ نشأتها عام 843 اعتبرت الإمبراطورية الجرمانية المقدسة نفسها تتنافس مع البابوية على مسألة السيطرة والتبعية . بدأت الدولة المعاصرة تتشكل مع نهاية القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر . وقد سمحت وحدانية السلطة واستقلال وسيادة الدولة تجاه البابوية والإمبراطورية بإيجاد مجتمع دولي حقيقي في أوروبا . ولم يلبث هذا المجتمع وقانونه أن انتشر وتوسع بفضل السيطرة والاستعمار خارج أوروبا حتى وصل إلى أن يكون عالميا.
القانون الدولي التقليدي
تمتد الفترة التي تكون فيها هذا القانون منذ العام 1648 وحتى الحرب العالم الأولى ( 1918-1914 ) ، إنه قانون العصرية وخاص بمجتمع مسيحي منقسم في عهد النهضة والإصلاح ، وفي هذه الفترة نشأت الدول ب المعنى الحديث للكلمة وتكرست سيادتها داخل وخارج إقليمها ( وكان نظام الحكم في هذه الدول ملكيا مطلقا و استبداديا بحيث إن أحد الملوك وهو ” لويس الرابع عشر ” كان يفاخر ويدعي بأن ” الدولة هي أنا ” ) .
وهذا القانون الذي كان يعتبر ” القانون الأوربي العام ” ، كانت مهمته تنظيم التعايش بين القوى المتنافسة على قاعدة التوازن الذي يبرر تقسيم أوروبا والمستعمرات . ولم تكن هذه الأخيرة تشكل جزءا من المجتمع الدولي الذي ينظمه القانون الدولي العام . فهذا الأخير لا يطبق إلا على الدول التي يمكن اعتبارها ” حضارية ” ، إذ إنه يسمح بالاستعمار ويشجع عليه ، ولا يمنع اللجوء الشرعي إلى القوة ، ويكرس الغزو كوسيلة مشروعة لتوسيع أرض الدولة . وقد تعزز القانون الدولي التقليدي في القرن التاسع عشر . وباعتباره نتاجا للمجتمع الدولي في وضعه وتطوره ، لا يمكن للقانون إلا أن يتأقلم معه .
أما المجتمع الدولي فقد كان بسيطا نسبي ، في تركيبته ، وكان قبل كل شيء ” دولتيا ” ويتكون حصريا من دول سيدة ومتساوية ( إن استثنينا المنظمات الدولية النادرة والمحدودة العدد التي نشأت في نهاية القرن التاسع عشر ) ، إن عدد الدول التي تشكل المجتمع لم يكن يتجاوز الـ 15 كيانا ، تعتبر دولا بالمعنى القانوني للكلمة في العام 1815 ، وقد ارتفع هذا العدد إلى حوالي الـ 40 عند اندلاع الحرب العالمية الأولى . كذلك ظهرت اختصاصات جديدة للقانون الدولي العام مثل ، قانون الممرات النهرية الخاص بالأنهر الدولية ، الكبرى ( الراين ، والألب والدانوب ، الخ … ) . ظهور المنظمات الدولية الأولى ذات الطابع التقني ( الاتحاد الدولي للتلغراف الذي أنشئ عام 1865 ، الاتحاد العام للبريد عام 1874 … ) تقنین قواعد قانون الحرب عن طريق معاهدات مؤتمرات لاهاي للعام 1899 و 1907 ( مازالت بعض قواعدها سارية حتى الآن ) .
غير أنه ، بالرغم من هذه التطورات ، بقي القانون الدولي التقليدي ” تعايشا ” ومبنيا على سيادة الدولة ، وأما عناصره فهي مبدئيا : سيادة الدول ( بشكل مطلق نسبيا ) والمساواة فيما بينها . المجتمع الدولي هو حصريا خاص بالدول ( دولتی inter – etatique ) إنه قانون إرادي مبني على موافقة الدول ، ولا يمكن فرض أية قاعدة قانونية عليها دون رضاها . الحرب مباحة ( بشرط أن تكون ” عادلة ” وعدم استعمال بعض أنواع الأسلحة ) . اعتبارا من العام 1920 ، بدأت السيطرة الحصرية لأروبا على العلاقات الدولية وعلى القانون الذي ينظم هذه الع لاقات ، بالزوال تدريجيا ، ليحل مكانها ما يمكن اعتباره ظهور مجتمع دولي متجدد وأكثر عالمية .
Pingback: ملخص مادة المصطلحات S2 - RFNZO