ملخص مادة تنظيم المجال وإعداد التراب ان إعداد التراب ليس مسألة حديثة، وإنما تعود جذوره إلى المجتمعات القديمة
مقدمــــةتنظيم المجال و اعداد التراب:
ملخص تنظيم المجال وإعداد التراب
إن إعداد التراب ليس مسألة حديثة، وإنما تعود جذوره إلى المجتمعات القديمة، حيث ظهر في البداية كممارسة إنسانية من قبل الجماعة التي تعيش داخل مجال ترابي معين، وذلك من خالل تهيئته وإعداده بشكل آلي دون تدخل الدولة أو السلطة، ثم ظهر بعد ذلك كمفهوم في فرنسا مع.Petit Claudius
إعداد التراب مفهوم مركب يتكون من كلمتين إعداد والتراب، فالتراب هو مكون من مكونات الدولة، والدولة حينما تكون بصدد إعداد التراب، فهي في الحقيقة تقوم بتنظيم نفسها وتنظيم المجتمع. ويقابله في اللغة الفرنسية مصطلح Territoire de Aménagement الذي يتكون من كلمة مفتاح و هي “إعداد Aménagement /” ، وإن كان بعض الباحثين يستعملون تارة ” إعداد” و تارة أخرى “التهيئة”،
وكان اإلجماع قد وقع لدى الباحثين باللغة الفرنسية أو اإلنجليزية على مصطلح Aménagement الذي يتضمن فكرة تدبير الثروات الوطنية كما هو الحال بالنسبة للمصطلح األصلي الذي اشتق منه “aMénager والذي يعني استعمال باقتصاد أو حسن االستعمال لشيء معين. وفي معناه االصطالحي يفيد مجموع اإلجراءات والتدابير المتخذة من أجل إعداد توقعي لمجال ترابي محدد بهدف الوصول إلى تنمية شمولية ومتوازنة يراد بها الحد من االختالالت االقتصادية واالجتماعية بين مختلف أجراء هذا المجال. ”
إعداد التراب يفيد البحث داخل إطار جغرافي محدد
إن إعداد التراب يفيد البحث داخل إطار جغرافي محدد، على أفضل الوسائل لتوزيع الطاقات البشرية حسب الثروات الطبيعية واألنشطة االقتصادية، وإذا كان ظهوره يعود إلى الثورة الصناعية في أوربا فإن إدماج المجال الجغرافي في التحليل لم يشرع العمل فيه إال انطالقا من القرن الماضي، كما أن إعداد التراب كسياسة لتنظيم هذا الفضاء لم ترى النور إلى بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان له في البداية مفهوم تعميري يهدف إلى إعادة بناء
ما هدمته الحرب العالمية الثانية من مدن، مع محاولة عقلنة أشغال واستغالل المجال ) مناطق السكن، مناطق اإلنتاج…( ،وفي مرحلة موالية كان يهم تنمية مختلف جهات التراب الوطني وإقامة التوازن وتصحيح االختالالت بين المناطق، والهدف من كل هذا هو إعطاء
الانسان المكانة األولى وتلبية حاجياته وتحسين عيشه بفعل االستغالل العقالني للتراب والثروات الوطنية.
ومن الناحية العلمية شهد القرن الماضي تطورا ملموسا في الدراسات التي تعنى بهذا المجال ، كما تم خالله إقرار العمل بتدريسه في المعاهد المتخصصة والجامعات كمادة علمية. وذلك ألهميتها وتأثيرها على حياة اإلنسان وتنظيم عيشه فوق المجال الذي ينتمي إليه. فإعداد التراب بسبب ما يطرحه من اإلشكاليات في كل الدراسات التي تعنى ببحث عالقة اإلنسان بمحيطه،
ستكثر المقاربات عند تعريفه كال حسب مشربها العلمي و ميدان اهتمامها، بل وحتى حسب تموضعها في الزمكان، ذلك أن إعداد التراب ما فتئ تعريفه يتقلب حسب الظرف الزمكاني الذي يعايشه. إن الهدف من إعداد التراب هو إقامة توازن بين مختلف مناطق البالد، ألن إعداد التراب يهم مسألة في غاية األهمية هي التراب، ويهم أيضا الماضي والحاضر والمستقبل.
لقد تعددت التعريفات التي قدمها كل من العلوم المهتمة والفقه إلعداد التراب، فهل نجحا في وضع مفهوم دقيق له وإزالة الغموض واللبس عنه وتمييزه عن المفاهيم المشابهة ) كالتعمير والجهوية..(.وماهي الدوافع التي كانت وراء ظهور إعداد التراب؟
وسوف نقوم بمعالجة هذا الموضوع وفق التقسيم المنهجي التالي:
- المبحث األول: تأصيل مفهوم إعداد التراب
- المطلب الاول: إرهاصات ظهور إعداد التراب.
- المطلب الثاني: الظهور الفعلي إلعداد التراب كمفهوم.
- المبحث الثاني: تحديد مفهوم إعداد التراب
- المطلب الاول: التعريف الفقهي إلعداد التراب.
- المطلب الثاني: تحديد عناصر مفهوم إعداد التراب.
اقراء ايضا: ملخصات جميع مواد القانون
اقراء ايضا: طريقة كتابة منهجية قانونية
المبحث الاول : تأصيل إعداد التراب
عند الحديث عن التأصيل، فإننا نبحث عن األصول والجذور، وهذا ما سنستشفه من خالل دراسة ما سبق إعداد التراب إلى حين ظهوره كمفهوم، فإعداد التراب ظهر في البداية كممارسة )المطلب األول( ، قبل أن يظهر كمفهوم )المطلب الثاني.(
المطلب الاول : إرهاصات ظهور إعداد التراب
إعداد التراب ليس وليد اليوم، وإنما هو نتاج لتطور الحضارات القديمة، التي طبقته بشكل واعي أو غير واعي. فإبان الثورة الصناعية التي شهدتها أوربا في القرن ،18 كان هناك نوع من الالمباالة إلعداد التراب من قبل الدول، فظهرت نتيجة لهذه الطفرة الصناعية، تزايد حدة الهجرة القروية، مما أنتج لنا تفاوتات واختالالت مجالية خطيرة،
خلقت لنا أحياء فقيرة وأخرى غنية تتمركز في مركز البالد، حيث سادت فكرة أساسية أال وهي إعطاء الفرد الحرية في اختيار المكان الذي يريد االستقرار فيه، وذلك الستغالل الموارد المتوفرة أحسن استغالل، فاختيار مكان االستقرار أمر يعود للفرد نفسه و ليس لحكومة البلد. ولقد كانت لإلبداعات الفكرية دور مهم في تسليط الضوء على هذه الظاهرة والتحسيس بخطورتها،
ومن أمثلة على ذلك: البؤساء لفكتور هيجو، الذي وصف وانتقد الظلم االجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون في 1815 و الثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في ،1832 إبداعات شارلي شابلن، ومدن مفترسة إلميل فير هايرن…إلى غيرها. وعرف القرن 19 إنعكاساته االقتصادية على األوضاع االجتماعية نتيجة لسيادة الليبرالية، حيث كان العمال متضررين، فظهرت نتيجة لذلك االشتراكية مع كارل ماركس نبهت لألخطار التي يمكن أن تنتج عن مثل هذه األوضاع.
وفي القرن 20 أخذت هذه التفاوتات بعدا دوليا، بحيث وجدت دول تعيش رفاها، في حين أن هناك دول تعيش ظروف عيش صعبة، ما نتج عنه بروز دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة ، وهذا ما أدى إلى تدويل مسألة إعداد التراب، فأصبحت هناك رغبة وتفكير جدي للقضاء على التفاوتات المجالية، سواء داخل الدولة نفسها أو بين الدول في المجتمع الدولي،
ودائما كانت هذه االختالالت المجالية تؤدي إلى الهجرة من القرى إلى الحواضر والمراكز ذات اإلشعاع الصناعي واالقتصادي. ولقد شهدت الحرب الكونية الثانية هجرة دولية، حيث نتج عنها العديد من المشاكل، كظهور أحياء هامشية تتجمع فيها الطبقة الفقيرة، فعلى المستوى الخارجي، نتج عن الهجرة مشاكل كالتمييز العنصري وصعوبة االندماج،
المستوى الداخلي:
وعلى المستوى الداخلي برزت مساعدات تتمثل في التضامن بين الجهات الغنية والفقيرة. وهذا ما دفع الدول إلى إعادة النظر في سياساتها المتبعة لمحاربة هذه المشاكل عن طريق سياسة إعداد التراب أو تهيئة التراب .
ألن اإلنسان يشكل الهاجس المشترك بين السياسات التي استهدفت إعداد التراب في شتى الدول، بغية تحقيق أشمل لسعادته وتوفيره بكل سبل الراحة واالكتفاء في الوسط الذي يحتضنه. ولقد انصب اهتمام الدول آنذاك نحو الحروب والتسابق في المجال الصناعي، ولم تكن هناك بوادر لالهتمام بالتراب، لكن الوضع بدأ يتغير مع وعي العديد من الدول على ضرورة االهتمام الترابي إلقليمها.
وجاء هذا الوعي بعدما تبين للدول الخطر الذي تعيشه شعوبها، نظرا لعدم االستقرار وازدياد الهجرة إلى الحواضر، ما نتج عنه تفاوت مجالي بين مناطق البالد، ومن بين األسباب التي كانت وراء االهتمام بإعداد التراب نذكر األزمة االقتصادية العالمية لسنة ،1929 والتي أدت تداعياتها إلتخاذ مجموعة من التدابير سياسية جديدة جاء به الرئيس األمريكي فرانكلين روزفلت سنة 1933 وكان من بينها برنامج نهر Tennessee ،الذي
يشكل أولى عمليات إعداد التراب طبق في الواليات المتحدة األمريكية ، وهو عبارة عن تنظيم فدرالي لتحسين حوض نهر تينيسي تحت إدارة لجنة مكونة من ثالثة أشخاص معينين من طرف الرئيس،
عهد إليها باإلشراف على بناء سدود لمقاومة مياه النهر وروافده، وتطوير األراضي في وادي تينيسي والحد من الفيضانات وزيادة إنتاج الطاقة الكهرومائية وتوفير فرص للعاطلين عن العمل.
الفترة الليبرالية المتوحشة
سادت في هذه الفترة الليبرالية المتوحشة، حيث كان تدخل الدولة في المجال االقتصادي محظورا. وقد تأثرت بهذه السياسة بريطانيا نظرا للعالقة اإلستراتيجية بينها وبين الواليات المتحدة االمريكية، التي كان بها كذلك فكر اقتصادي متوحش، كما هو الحال في تلك الفترة في الواليات المتحدة االمريكية. وكان لالزمة االقتصادية لسنة 1929 كذلك الدور الرئيسي
في إعادة النظر في االختالالت المجالية والصناعية بين مناطق البالد، ولمعالجة هذه االختالالت وإعادة إحياء المناطق المتضررة من جراء األزمة االقتصادية، قام رجال التخطيط بالتمييز بين 4 جهات في التراب البريطاني:
جهات من أجل التنمية: تضم المناطق ذات الموارد الطبيعية أو الزراعية غير المستغلة بعد. جهات من أجل اإلنعاش : تحظى به المناطق الوسطية أي الواقعة بين المدن الجهوية الصناعية والمناطق التي تعرف توسعا عشوائيا.
جهات من أجل التصحيح: تضم المدن التي احتضنت التصنيع لمدة طويلة، فصارت الضرورة ملحة إلعادة تجديدها والعمل على إرجاعها إلى وضع أكثر لياقة. جهات من أجل التخفيف: وهي تلك التي يجب… عليها عن طريق التقليص مما تعانيه من كثافة القطاعات الثالثية ) خدمات، تجارة، تأمينات..( وكذا مراقبة وثيرتها المفرطة في النمو الديموغرافي،
إضافة إلى ضبط تضخمها العمراني، هذه التقسيمات هي التي شكلت محور التقرير المعروف بتقرير بارلو barlaw سنة ،1939 والذي شكل اإلطار المؤسس إلعداد التراب ببريطانيا.
1-2الظهور الفعلي إلعداد التراب كمفهوم.
قبل سنة ،1945 كان هناك غياب اهتمام بإعداد التراب، وحسب-François-Jean Gravierفإن تعبير إعداد التراب ظهر سنة ،1944 حيث ظهرت مصلحة إعداد التراب “ Territoire du Aménagement’ d Service“في إطار مندوبية التجهيز الوطني في حكومة “فيشي”، وأنتجت هذه المصلحة العديد من التقارير حول تخفيف االزدحام décongestionبالمراكز الصناعية. وبالتالي فهو ظهر هناك كمؤسسة أي كبنية إدارية، حيث أن فرنسا كغيرها من الدول عرفت في هذه الفترة اختالالت وتفاوتات مجالية، وفي سنة 1947 أقدم Gravier-François-Jean على تأليف كتاب ”
باريس والصحراء الفرنسية” français desert le et Paris” ، هذا الكتاب أورد فيه خطورة الوضع القائم في فرنسا، ويقصد هنا بالصحراء الفرنسية انعدام بدون شك اإلنسان ومختلف النشاطات. وقد بين Gravier-François-Jean أن %18 من السكان الفرنسيين يقطنون في منطقة باريس والتي تحتكر وحدها ثلث الصناعة التحويلية وأكثر من نصف القطاعات ذات النتشار الواسع كالصناعة اإللكترونية وصناعة السيارات وكذلك أكثر من 3/4 من الحاملين للدبلومات العليا.
Petit Claudius
لكن الامر يختلف مع Petit Claudius ، حيث اعتبر أن إعداد التراب ظهر كمضمون وليس كبنية إدارية، ويعتبر Petit.C أول من استعمل كلمة “إعداد التراب” ، وكان له دور بارز في جعل إعداد التراب من بين األهداف الحكومية ، وكان ذلك بمداخلة في مجلس الوزراء حدد من خاللها هوية إعداد التراب واقترح تعريفا له. وفي عام 1949 أخدت مديرية التعمير بوزارة البناء والتعمير، اسم “مديرية إعداد التراب”،
وأصبحت سنة 1963 إعداد مديريةla Direction de l’Aménagement Foncier et de l’Urbanisme التراب والعقار والتعمير. وسنة 1950 تم اإلعالن عن إنشاء مديرية وزارية إلعداد التراب، تم في عام 1954 تم اإلعالن عن سياسة إعداد التراب، وقام الوزير األول Debré Michelسنة 1959 باجتماع مع الوزاء المعنيين بإعداد التراب وانتهى سنةComité Interministériel d’Aménagement du (CIAT) Territoire بإحداث 1960 اللجنة بين وزارية لحل المشاكل المجالية إلعداد التراب ،
وهو أول وزير طرح مسألة نقاش إعداد التراب أمام البرلمان سنة ،1963 واتبعت بإحداث مفوضية إعداد التراب Délégation à l’Aménagement du Territoire et à l’Action الجهوي والعمل (DATAR (Régionale، بهذا اإلحداث عرفت سياسة إعداد التراب طفرة سريعة. وهكذا تعتبر فرنسا مهد ظهور مفهوم إعداد التراب، فيما ظهرت سياسة وإجراءات إعداد التراب في الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا.
المبحث الثاني: تحديد مفهوم إعداد التراب
رغم قلة الدراسات األكاديمية في موضوع إعداد التراب، فقد أضحى هذا األخير يشكل اليوم موضوعا مركزيا ويحظى باهتمام خاص من قبل الدول سواء المتقدمة أو النامية منها. لهذا كان البد من البحث في محاولة تشخيص في مفهوم إعداد التراب )المطلب األول(، ثم نقوم باستخراج العناصر المكونة له ) المطلب الثاني.(
المطلب األول: التعريف الفقهي لمفهوم إعداد التراب.
يالحظ قلة الكتابات الفقهية المتعلقة بتحديد مفهوم إعداد التراب، بل وحتى الموجودة منها فهي ال تقدم تعريفا شامل لهذا المفهوم. فكل فقيه يعرف إعداد التراب حسب الزاوية التي ينظر منها إليه، وهي غالبا ما تشمل جزء فقط من إعداد التراب، ومن بين هذه التعاريف
نذكر:
¬تعريف الفقيه أندري ديلوبادير الذي جاء فيه: ” من السهل تكوين فكرة عما تعنيه عبارة إعداد التراب الوطني، ومن الصعب في نفس اآلن إن لم نقل من المستحيل إعطاؤها تعريفا أكيدا ومتكامال”. هذا التعريف ومن خالل التمعن فيه نجده ال يعطي معنى واضح المعالم ليشمل كافة الميكانيزمات ومبادئ مفهوم إعداد التراب.
¬هناك االتجاه الغالب في تعريف إعداد التراب يرى بأنه: ” تلك السياسة االقتصادية واالجتماعية المعقلنة، التي يتبعها االنسان الستغالل الموارد الطبيعية ولتحسين جودة المجال أو الوسط الترابي الذي يمارس فيه مختلف أنشطته “.
وهناك أيضا إجماع على أن إعداد الترب ليست تقنية أو وسيلة فحسب، وإنما إعداد التراب هو سياسة الهدف منها الوصول إلى توزيع متوازن للنشاطات االقتصادية واالجتماعية على المدى الطويل وتحسين التجهيزات والوسائل الضرورية تبعا للتوجهات العامة للبالد وحسب معطيات كل جهة.
¬في حين يعطي بعض الفقه مفهوما واسعا إلعداد التراب، إذ يعتبر François Lefebvreأن كل عمل يقوم به شخص يؤدي إلى امتالك أو حيازة أو نقل أو التخلي عن المجال هو بطبيعته عمل إلعداد التراب،
ويترتب عن ذلك أن مفهوم إعداد التراب يحيل إلى العمل الذي بواسطته يحل ممثلو الدولة محل األشخاص المنفردون وما يمكن أن يتم بينهم من اتفاقات، باستعمال إن اقتضى الحال االحتكار القانوني للقوة وذلك من أجل تحديد مكان وهدف وكيفيات احتالل واستعمال هذا الجزء أو ذلك من التراب.
¬يعرف الفقيه روالن إعداد التراب : ” علم وفن… يهدف إلى تنظيم وتوزيع المجال الجهوي والوطني لمختلف األنشطة البشرية حسب حاجيات الفرد والجماعة. ” ¬
ويرى دانييل كيشار:
أن الطموح إلعداد التراب الوطني يقتضي العمل على أن توزع
الثورة الوطنية توزيعا عادال وأن يستفيد من االزدهار سكان المدن واألرياف والبوادي على حد سواء.
¬يقول philippe lamour أن إعداد التراب في السابق شكل المشكل األساسي في فرنسا، ويقدم تعريفا له بكونه توجيه عقالني تلعب فيه محددات طبيعية وإرادات فردية غير منسقة. ¬بينما الدكتور بنمير المهدي يعرف إعداد التراب بأنه العملية التقنية والفنية واإلدارية، التي تسعى إلى تحقيق تنمية متناسقة ومتوازنة بين جميع الجهات والمناطق عن طريق توزيع عادل للثروات واألنشطة االقتصادية واالجتماعية.
¬ومن بين العديد من التعريفات المقدمة حول مفهوم إعداد التراب تلك المقترحة سنة 1950 من قبل Petit Claudius الذي يرى أن أهمية إعداد التراب هي ” البحث في اإلطار الجغرافي لفرنسا عن أحسن تقسيم للسكان حسب وظيفة الموارد الطبيعية واألنشطة االقتصادية، وهذا التعريف يتأسس على الهدف من إعداد التراب، وهو كافي ليشمل كل التطورات التي عرفها إعداد التراب.وفي الحقيقة جل هذه التعريفات واالقتراحات التي ساهم بها هؤالء الفقهاء تبقى عامة وفضفاضة،و غائية اي انها تحدد اهداف اعداد التراب وال تحدد وسائله و مضمونه و انضمته لكن أغلبها يلتقي في كون إعداد التراب يهم مسألة
توطين األنشطة االقتصادية واالجتماعية على التراب، وذلك بمراعاة نوع من التوازن في التوزيع الترابي لهذه األنشطة.
المطلب الثاني: عناصر مفهوم إعداد التراب
اختلفت هي العناصر التي يؤدي استجماعها إلى بلورة مفهوم إعداد التراب، وذلك باختالف التعريفات التي تناولت هذا المفهوم، حيث يالحظ التركيز في كل تعريف على عنصر واحد دون باقي العناصر.
فبالرجوع إلى تعريف الفقيه ديلوبادير الذي اعتبر فيه، أنه من السهل تكوين فكرة عما تعنيه عبارة إعداد التراب، ومن الصعب إعطاؤه تعريفا متكامال ، وبالتالي رفض إعطاء تعريفا يرتكز على عناصر محددة وذلك لصعوبة األمر، ليعرفه فيما بعد بأن األمر يتعلق بسياسة أي عمل للدولة، ال يمكن للخواص إنجازه، إذن ديلوبادير ركز على عنصر التبعية للدولة.
في حين اعتمد كل من روالن و كلوديوس و دانييل من خالل تعريفاتهم لمفهوم إعداد التراب، على عنصر الهدف أو الغاية من إعداد التراب حتى يمكن اعتباره كذلك، إال أنهم اختلفوا في طبيعة هذا الهدف.
بينما اعتبر روالن أن الهدف من إعداد التراب يجب أن يكون هو توزيع الفضاء الجهوي والوطني حسب حاجيات األفراد. واعتبره كلوديوس أنه البحث في اإلطار الجغرافي عن أحسن تقسيم للسكان حسب األنشطة االقتصادية. و دانييل اعتبر إعداد التراب توزيع للثروة الوطنية توزيعا عادال على المدن واألرياف.
أما فرانسوا اعتمد في تعريفه على عنصر طبيعة العمل المنجز، أي كل ما يقوم به شخص من عمل إلى امتالك أو حيازة أو نقل أو التخلي عن المجال هو بطبيعته عمل إلعداد التراب.
بهذا تكون العناصر التي اعتمد عليها الفقهاء في تعريفاتهم، تميزت باالختالف وعدم االنسجام، إذ لم يتفقوا على عناصر محددة من شأنها أن تقدم لنا مفهوم إعداد التراب كلما اجتمعت جميعها . هي تعريفات غائية، أي تحدد الغاية من إعداد التراب ،وهذا ما يطرح
إشكاال وغموضا في تعريفه، ويدفعنا إلى تحديد الفرق بين إعداد التراب وبين بعض المفاهيم المشابهة، طالما ليس هناك إجماع على العناصر المكونة له ، ومن هذه المفاهيم المشابهة نذكر مثال: التعمير والمجال.
فما هو الفرق بين مفهوم إعداد التراب ومفهوم التعمير؟
يمكن تعريف إعداد التراب بأنه مجموع اإلجراءات والتدابير المتخذة من أجل إعداد توقعي لمجال ترابي محدد بهدف الوصول إلى تنمية شمولية ومتوازنة يراد بها الحد من االختالالت االقتصادية واالجتماعية بين مختلف أجزاء هذا المجال .
بينما التعمير يعرفه الفقيه أوبي” (Auby M.J (بأنه مجموعة من اإلجراءات التقنية والقانونية واالقتصادية واالجتماعية التي تساعد على تطوير المجتمعات بشكل منسجم وعقالني. ” يتضح من خالل التعريفين السابقين أن كالهما ) التعمير وإعداد التراب( يهتم بتنظيم وتدبير المجال والنهوض بتنميته ويشتغالن بأدوات مشتركة. بل أكثر من ذلك تعتبر أدوات قانون
التعمير وقواعده ، أداة رئيسية لتحقيق غايات إعداد التراب. ومع ذلك فإن هناك اختالف جوهري بينهما، يتجلى في النقط التالية:
من حيث تاريخ الظهور، ظهر قانون التعمير في القرن 19 م، أي قبل ظهور إعداد التراب. اختالف جغرافي، حيث يسعى إعداد التراب إلى التصدي لمشاكل التهيئة والتنمية على مستوى أوسع، على األقل الجهوي أو التراب الوطني وال يكتفي بمدينة واحدة ، وهو ما يسمى Aménagement -Macro التهيئة الشمولية. في حين يسعى قانون التعمير إلى االهتمام بقضايا تهيئة جزئية. Aménagement -Micro
من حيث التقنين، قانون التعمير هو قانون مقنن، تحكمه قواعد دقيقة، أما إعداد التراب فهناك إشكال في فيه، هل يمكن الحديث عن قانون إعداد التراب؟ إعداد التراب ال تحكمه قواعد قانونية دقيقة ومركزة، وبالتالي من النادر إيجاد نصوص قانونية تتحدث عن إعداد
التراب ، في فرنسا مثال ظهر قانون توجيهي إلعداد التراب سنة ،1995 وهو ليس بقانون وإنما شبيه له.
من حيث عالقته باإلجتهاد القضائي، بما أن التعمير قانون ، فهو قانون قضائي، ويسمح بإيجاد اجتهادات قضائية حوله. أما إعداد التراب يالحظ غياب اإلجتهاد القضائي، وذلك راجع إلى أن إعداد التراب اعتبره بعض الفقه أنه قانون مرن ودائم التطور، وبالتالي ال يمكن تصور منازعات قضائية في مادة إعداد التراب.
وماذا عن عالقة التراب بالمجال؟
في كثير من األحيان يعتبر التراب مصطلح وظيفي
المجال مفهوم مجرد نظري ووظيفي يحتله عابرون، غير محدد وليست له حدود، إن إعداد التراب كما سبقت اإلشارة إلى ذلك، عرف محطات تاريخية، وتقلبات حسب
الزمكان، نتيجة لظروف معينة أدت إلى اختالالت مجالية بين المناطق، هذا ما دفع الدول إلى إعادة النظر في نهج سياسة للتحكم في التفاوتات المجالية، هنا ظهر إعداد التراب كممارسة ثم كمفهوم.
ومن هذا المنطلق، كان مفهوم إعداد التراب محل دراسة واهتمام من قبل مختلف المهتمين في شتى المجاالت والعلوم التي تتقاطع مع إعداد التراب )االقتصادية، السياسة، اإلدارة، االجتماع، الجغرافية…(، حيث قدمت بشأنه تعريفات متعددة ومختلفة باختالف المنطلقات الفكرية والمعرفية لكل فقيه وباحث، متأثرة بتقلبات الزمكان. وبالتالي صعوبة تحديد مفهوم شامل ودقيق إلعداد التراب، هل يمكن القول أنه علم أم فن أم سياسة أم مجموعة من اإلجراءات التقنية؟