ملخص مادة علم الاجرام S5 الجريمة ظاهرة اجتماعية توجد حيث يوجد المجتمع، وهي قديمة قدم التاريخ، وأول جريمة عرفتها البشرية هي التي وقعتبين ابني آدم قابيل و هابيل .
تقديم:
إن الجريمة ظاهرة اجتماعية توجد حيث يوجد المجتمع، وهي قديمة قدم التاريخ، وأول جريمة عرفتها البشرية هي التي وقعت
بين ابني آدم قابيل و هابيل .
كما أن الجريمة تتطور بتطور العلم فإن المجرم قد يكون قد يكون مثقفا وقد يكون جاهلا، ذكرا وأنثى، حدثا وراشداء … إنما الجرائم
تختلف من جنس إلى جنس ومن صنف إلى صنف.
الفصل الأول: المدارس المبدعة في علم الإجرام
ظاهرة الإجرام والمدرسة التقليدية :
أبرز مؤسسي هذه المدرسة الفقيه الإيطالي باكاريا و الفقيه الإنجليزي بينتام.
الجريمة عند أصحاب هذه المدرسة : ظاهرة لسلوك فردي، يختاره الجاني عن طواعية، وإرادة تدفعه إليه أنانيته ومنفعته الشخصية
خارقا بذلك بنود العقد الإجتماعي الذي ينظم الحقوق والواجبات المتبادلة بين الفرد والمجتمع وفق فلسفة جان جاك روسو.
أهم المبادئ التي بنت عليها المدرسة التقليدية نظريتها:
1: الفرد المتمتع بأهلية الإدراك والتمييز مسؤول أخلاقيا عن ما يرتكبه من جرائم فهو بالتالي يستحق الجزاء لكونه مذنبا عكس الغير
المدرك والغير مميز والصغير حيث يعتبر غير مسؤولا أخلاقيا أو جنائيا عن جرائمه.
2: المساواة في تقرير العقاب من طرف المشرع لكل جريمة على حدة، فلا وجود للحد الأدنى والأقصى للعقوبة لأنه لا تفاوت بين مجرم
ومجرم بالنسبة لحرية الإختيار لدى من يتمتع بالتمييز والإدراك. والغاية التي توخاها أصحاب هذه المدرسة هي تكبيل حرية القاضي في
تحديد العقاب لكل متهم.
3: حق المجتمع في توقيع العقاب ضد المتهم وسنده هو الدفاع عن كيانه من خلال بنود العقد الإجتماعي التي خرقت من طرف الجاني
المرتكب للجريمة.
4: تكريس مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص من طرف المشرع.
الإصلاحات التي نادت بها المدرسة التقليدية :
1: سن التشريعات الجنائية التي تحدد مسبقا لائحة الجرائم والعقوبات.
2: تحميل المسؤولية الجنائية للمتهمين بأهلية الإدراك و التمييز وحرية الإختيار .
ثم إن العقوبة يجب أن تراعي فيها الخصائص الآتية :
ا : المساواة في تفريد العقاب بالنسبة للأفراد الذين يرتكبون نفس الجرم.
ي : التناسب بين الضرر والعقاب وتخفيف العقوبة بالنسبة للمحاولة والمشاركة .
ج: نهج سياسة المنع الخاص والمنع العام ( الهدف من العقوبة يجب أن يحقق محاربة الجريمة من خلال عدم العودة إليها من طرف
المذنب، ومن خلال منع إرتكابها من طرف المجتمع ).
وبناء على هذه المبادئ طالبت المدسة التقليدية بإلغاء عقوبة الإعدام لأنها تشكل مساسا بالحق في الحياة.
ويتبين مما ذكر أن أصحاب النظرية التقليدية كانوا نظريين في أفكارهم أكثر من عمليين وبعيدين عن الواقع الإجتماعي الذي أرادوا
تطبيق فلسفتهم فيه.
* ولقد انقسم أنصار هذه المدرسة
من حيث اختيار العقوبة المناسبة لكل جريمة تحيقا للهدف من العقاب إلى قسمين:
فريق النفعية الإجتماعية: ينادي أنصار هذا الفريق بضرورة تحقيق العقوبة للمنفعة الإجتماعية، فإنه عند تقرير العقاب يجب أن تراعي
مصلحة المجتمع من حيث نوعها وتنفيذها.
فريق العدالة المطلقة: ينتقد أنصار هذا الفريق ومنهم الفيلسوف كانط فريق النفعية الإجتماعية معتبرين أن تأسيس العقوبة على فكرة
الدفاع عن مصلحة المجتمع فيه إهدار للوقت، والقول بغير ذلك معناه التضحية بحقوق الفرد لمصلحة المجتمع. وهكذا يرى كانط أن
الأساس السليم والمنطقي للعقوبة هو “العدالة وناموس الأخلاق السامية”.
المدرسة التقليدية الجديدة :
إن هذه المدرسة وإن كانت تعتقد بمبدأ حرية الإختيار كما آمنت به المدرسة التقليدية إلا أنها انتقدت مبدأ القائلين بالعدالة المطلقة كما
آنها سلطت ملاحظات على المنادين بمبدأ المنفعة الاجتماعية، وحاولت التوفيق بين المبدأين، ومن هنا سميت بالمدرسة التوفيقية، من
خلال تلخيصها لوجهة نظرها في قاعدة “لا أكثر مما هو عادل ولا أكثر مما هو نافع”. فإن هذه النظرية ترى أن المجرم الذي يرتكب جريمة وهو المتمتع بالإدراك والتمييز وحرية الإختيار، لا شك أن ظروفا وملابسات أحاطت به وأثرت بشكل أو بآخر في سلوكه الإجرامي. ومن خلال وجهة نظرها، فإنه يتعين مراعاة ظروف مرتكب الجريمة ومنفعة المجتمع من خلال تحقيق العدالة، وبذلك يمكن التقليل من الجرائم من خلال القوبة العادلة والردع القانوني (المنع الخاص والمنع العام).
ومن محاسن هذه المدرسة أنها أدخلت ظروف الجاني في الدراسات والأبحاث ولم يعد الأمر يقتصر على الجريمة والنتيجة الإجرامية.
المدرسة الوضعية :
و تسمى بالمدرسة الواقعية، من أبرز مؤسسيها شيزاري لومبروزو و فيري (انتقدت النظريات الفلسفية السابقة لأنها اهتمت بالبحث
في الجريمة وأغفلت دراسة المجرم من حيث الأبحاث الإحصائية والملاحظات والتجارب للواقع الوراثي والإجتماعي والمادي.
نظرية لومبروزوا :
حسب لومبروزوا فالمجرم يتميز بخلقة خاصة وسمات نفسية تجعله يختلف عن خلقة الصالحين والشرفاء والأسوياء، فالمجرم حسب
رأيه يرتكب الجريمة بسبب تكوينه النفسي والبدني،
وخلص من خلال أبحاثه الى “مبدأ حتمية وقوع الجريمة ” بناء على التجارب الميدانية التي أجراها من خلال فحصه ل 5107 من
المجرمين ونزلاء السجون الإيطالية، ونقف عند ثلاث حالات عند تشريح لومبروزوا لفيليلا اكتشف فراغا في مؤخرة جبهته وأوضح أن
حركاته كانت تمتاز بالخفة، وكان مغرورا ويهزأ بالأخرين. أما المجرم فيرزيني (اعترف بقتل 20 أنثى وشرب دمهم) تبين له من خلال
الفحص الذي أجراه على جثته أنه يشبه الإنسان البدائي نوعا ما، أما الجندي مسديا فقد توصل بعد فحصه إلى أن نوبة الصرع التي
أصابته عند ارتكابه للجريمة وراثية، وأن سلوكه يتسم بالوحشية والحيوانية، واستنتج أخيرا بأن العلاقة بين الإجرام والصرع متينة،
وهكذا فإن هذا النوع من المجرمين يمكن تصنيفهم ضمن خانة المجرم الفطري (بالميلاد) أي وحش بدائي يشبع نزعاته البهيمية على
حساب آلام الآخرين (الجانب النفسي).
نظرية فيرى :
إن العالم فيري انتقد لومبروزوا من حيث ربطه الجريمة بالتكوين البدني للمجرم (ملاحظة أنه اعتمد أيضا على الجانب النفسي) دون
اعتماده على العوامل الأخرى المتمثلة في المحيط المادي والإجتماعي. لكن رغم هذه الإنتقادات ظل وفيا لمدرسته التي تقر أن الإنسان
في تصرفاته مجبر لا مخير وأن جريمة المجرم حتمية لا يمكن تجنبها متى اجتمعت الظروف المحيطة بها من مادية واجتماعية وعضوية
ونفسية. وتنقسم هذه الظروف حسب فيري إلى داخلية (العوامل العضوية والنفسية )، وخارجية (الأسباب المادية وتدخل فيها جغرافية
الجريمة وكذا البيئة الاجتماعية).
و بناء على ما سبق يمكن تقسيم المجرم إلى الأصناف التالية:
1: المجرم الفطري بالميلاد :
هو الذي ورث الإجرام من أصله، حيث اجتمعت فيه العوامل العضوية (اختلاف شكل وحجم رأسه عن محيطه الإجتماعي؛ تشوهات في خلقة العينين؛ تكاثر الشعر وانتشاره في الشعر والجسم؛ نمو زائد في عظمة الوجنتين والفكين ) أما من الناحية النفسية يمكن ملاحظة صفات يتميز بها المجرم منها 🙁 قلة الشعور بالألم؛ عصبيية المزاج وحب الشر والأذى؛ الوشم المرسوم على أجساد المنحرفين؛. وهكذا يكون هذا الصنف من المجرمين متوحشا وهمجيا انتقلت إليه هذه الوحشية والهمجية مع الإنسان البدائي.
2: المجرم المجنون :
هو المصاب بالخلل العقلي الذي يجعله عديم التمييز والإدراك فيقدم على ارتكاب الجرائم بسبب هذا الخلل في عقله، ولا فرق بينه وبين الأسوياء من حيث سلامة عقولهم فيما يتعلق بالمسؤولية، فالكل ينساق الى الجريمة جبرا حسب رأي لومبروزو وفيري.
3: المجرم العاطفي :
هو الذي لا فرق بينه وبين أصحاب السلوك القويم، لأنه سليم فيما يتعلق بالجوانب الوراثية والعضوية وما يدفعه
لإرتكاب الجريمة هو مزاجه الحاد وعصبيته المتقلبة وهو يقدم على جرمه دون سابق تخطيط أو تصميم، والملاحظ أن أغلبية المجرمين
من هذا النوع من صنف النساء
4: المجرم بالصدفة :
هو ابن بيئته الإجتماعية، فهو سليم عضويا ونفسيا ولا عيب فيه من ناحية العوامل الداخلية، إلا أن محيطه
الإجتماعي والنفسي هو الذي يدفعه إلى ارتكاب الجريمة، وهو كالمجرم بالعاطفة يندم عندما يصحو ضميره.
5: المجرم المعتاد :
هو المجرم الذي يكرر فعله ويكون ذلك نتيجة أسباب خارجية طبيعية، وقد تكون اجتماعية أو هما معا، إلا أن هذا
المجرم سليم من الناحية الشخصية وسكوله شريف في الأصل إلا أنه انتقل من السلوك السوي إلى السلوك المنحرف.
يتبين من خلال المقارنة بين أصناف المجرمين الخمسة، أن المجرمين المجنونين بالفطرة وبالعاطفة تدفعهم وتحفزهم عوامل شخصية
داخلية لإرتكاب الجريمة، أما المجرمون المعتادون وبالصدفة فإن الأسباب الإجتماعية هي التي تجعلهم ينساقون وراء ارتكاب الجريمة.
نظرية كاروفالو :
يذهب رجل القانون الإيطالي كارو فالو إلى أن الوسط الإجتماعي لا تأثير له على انحراف سلوك المجرم وميله إلى ارتكاب الجريمة.(يعارض المدرسة الوضعية) حيث ذهب للقول بأنه لا فائدة ترجى من تغيير المحيط الإجتماعي من أجل زمرة من المنحرفين.
وتختلف المدرسة الوضعية عن المدرسة التقليدية عند تحليلها للمسؤولية الجنائية ودراستها للعقوبة ومكافحة الإجرام.
فبالنسبة للمسؤولية الجنائية فإنها ترى أن المجرم مجبر في تصرفاته ولا خيار له في أفعاله فلا يمكن كأساس للمسؤولية أن ينسب له
خطا، فالمسؤولية ليست جنائية بل اجتماعية تخل بأمن واستقرار المجتمع،
أما من حيث العقوبة يرى أنصار هذه المدرسة ضرورة استبعادها واستبدالها بالإجراءات الوقائية، ويقولون بأن الجرائم لا عقاب عليها،
بل لا بد من توخي الوقاية منها أجلا ومستقبلا من طرف المجتمع.
وهكذا فإنهم يقرون عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لمن يعارض الإعدام للمجرمين المعتادين وبالفطرة لأنه لا أمل في علاجهم وإعادتهم
صالحين في المجتمع.
وانتهت المدرسة الوضعية للقول بأنه على الرغم من اعتبار المجرم مكره على ارتكاب تصرفاته، فإنها أبدعت بترسيخ المنهاج العلمي
المبني على الأدوات العلمية (الملاحظة والتجربة والنتيجة). وهكذا تمكنت من التركيز على المجرم لا على الجريمة والإهتمام بالتدابير
الوقائية، فكانت هذه المدرسة فاتحة خير على علم الإجرام. وعلى الرغم من محاسنها إلا أن المشرع الجنائي بقي مخلصا لفلسفة الدراسة
التقليدية المبنية على مبدأ “المجرم المخير لا المجبر” وكذا العدالة الجنائية.
مدرسة الدفاع الاجتماعي :
إن فلسفة مدرسة الدفاع الاجتماعي تنبني على البحث في دوافع الجريمة وأسبابها. وحسب وجهة نظر القانوني الإيطالي كراماتيكا
(مؤسس هذه المدرسة)، فإنه يتعين التركيز على الظاهرة الإجرامية من خلال عناصرها الواقعية والإجتماعية دون إغفال الإعتماد على
العلوم الإنسانية الأخرى.
فالجريمة في نظر مدرسة الدفاع الاجتماعي ليست سوى تجليا من تجليات الحالة النفسية التي يشعر بها المنحرف ضد المجتمع الذي
يعاني خللا واضطرابا في نظمه وقيمه، فكلما كان هناك خلل في النظم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأخلاقية، إلا وكان هناك خلل
في أفراده يتولد عنه حقد ضد المجتمع يترجم من خلال الجرائم التي تتفاوت في خطورتها تبعا لتفاوت الخلل الإجتماعي.
وتتجسد السياسة الجنائية لهذه المدرسة في التدابير الوقائية، بحيث تميز بين التدابير الوقائية القبلية والبعدية، (قبل ارتكاب الجريمة
وبعدها).
كخلاصة لأفكار هذه المدرسة، فإن ظاهرة الإجرام هي نتاج الخلل الإجتماعي التي تستتبع إنعدام مسؤولية الجاني الذي يكون ضحية ظلم
المجتمع، ونتيجة لذلك رفضت ألفاظ الجريمة والمسؤولية الجنائية والعدالة الجنائية والعقوبة ومفهوم المدرسة الوضعية للتدابير
الوقائية، ورأت أن التدابير الوقائية منها ماينبغي أن يكون قبليا ومنها مايجب أن يكون بعديا، مع الحفاظ على كرامة الإنسان عملا
بالتقاليد والأعراف بعيدا عن القسوة والصرامة والإستعانة بالعلوم الإنسانية الإخرى في اكتشاف مراكز الخلل التي تؤدي إلى كراهية
الفرد للمجتمع.
تعريف الإجرام:
التعريف القانوني :
الجريمة هي عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه .( 110 ق، ج )
و يلاحظ أن التعريف ينقصه العنصر المعنوي، ونجد أن الفقيه أحمد الخمليشي قد أعطى تعريف شامل للجريمة ” الجريمة هي كل
فعل أو إمتناع صادر عن شخص قادر على التمييز يحدث إضطرابا إجتماعيا ويعاقب عليه التشريع الجنائي “
التعريف من خلال علم الإجتماع :
جان جاك روسو الفيلسوف الإجتماعي يعرف الجريمة بأنها كل فعل من شأنه أن يفصم عرى العقد الإجتماعي الذي ينظم حياة
الجماعة والذي قبل به كل فرد فيها من حاكم ومحكوم
أما فدوركايم يقول أن الجريمة كل عمل أو إمتناع يختلف عن الأفكار والقيم التي تعارف عليها المجتمع.
و ربما الملاحظ أن التعريف الاجتماعي يدخل كل ما هو معيق للمجتمع حتى ولو لم يتدخل المشرع لتجريمها في نص.
-تعريف الجريمة في علم الأخلاق :
الفيلسوف ايمانويل كانت يعرف الجريمة بأنها “كل فعل مخالف للأخلاق وللعدالة”
وهكذا يمكن القول بأن الأخلاق لدى أمة من الأمم مجموعة من المبادئ والمثل والقيم المقدسة والتي يعتبر الخروج عنها ذنبأ والمساس
بها جرما۔
-تعريف الجريمة في علم الإجرام :
يمكن تعريف الجريمة من حيث المفهوم العلمي بأنها كل عمل أو إمتناع ضار بالمجتمع نص عليه المشرع أو لم ينص فهو لا يهتم إلا
بفكرة الدفاع عن المجتمع وبالتالي فهو يحارب كل ما من شأنه أن يخل بذلك ويعتبره جريمة”
و يعرف علماء الإجراء الجريمة بأنها حقيقة واقعية و يقولون بأنها إشباع لغريزة إنسانية بطريقة شادة لا يسلكه الرجل السوي حينما
يشبع الغريزة بنفسه وذلك لأحوال نفسية شاذة انتابت مرتكب الجريمة في لحظة ارتكاب الجريمة بالذات.
مجال الخلاف بين المفهوم القانوني والعلمي للجريمة هو مجال ضيق ولا يدعو للقلق، على اعتبار أن علماء الإجرام يبحثون عن أسباب الجريمة وفي عواملها الداخلية والخارجية، وعلى ضوء هذا نجد القانونيين من مشرعين وقضاة يجتهدون في قوانينهم بالنسبة للمؤسسة البرلمانية وأحكامهم بالنسبة لرجال القضاء عندما يسمح القانون بالإجتهاد، وهناك تكاملية بينهم فيما يخص محاربة الجريمة .
فروع علم الإجرام و علاقته بالفروع الأخرى :
لعلم الإجرام فروع تتمثل في الانتوبولوجيا الجنائية (علم الطبائع الإجرامية) وعلم الاجتماع الجنائي.
+ علاقة بالعلوم الجنائية الأخرى، ك علم الحياة الجنائي؛ وعلم النفس الجنائي؛ وعلم القانون الجنائي؛ وعلم العقاب؛ والمسطرة الجنائية؛
وعلم الأدلة الجنائية.
المطلب الأول : فروع علم الإجرام
يهتم علم الاجرام بدراسة الجريمة كظاهرة في حياة الفرد، ولوصوله لهذه الغاية فإنه يعتمد على باقي العلوم الإنسانية الأخرى التي تهتم
بالحيوان الناطق (الانسان) وبسلوكه.
1: علم الطبائع الإجرامية ( الانتربولوجيا الجنائية ):
يدرس هذا العلم الجريمة كظاهرة في حياة الفرد وذلك من خلال البحث عن الأسباب التي دفعته للإرتكاب الجرم، وهو في سبيل ذلك
يتحقق من التكوينات الخارجية لأعضاء المجرم والوظائف الداخلية لأعضاء جسمه والإفرازات التي تفرزها عدده وكذلك تهتم بالجانب
النفسي للمجرم كالغرائز والعواطف والأخلاق والطباع .
وعلم الطبائع الإجرامية لا يغفل في دراسته الظروف الإجتماعية المحيطة بالفرد والمؤثرة على سلوكه.
2: علم الإجتماع الجنائي :
يدرس هذا العلم الجريمة كظاهرة إجتماعية من خلال الصلة بين الظروف الاجتماعية من طبيعية واقتصادية مع الظاهرة الإجتماعية
فهو لا يدرس الحالات الفردية باعتبارها مهمة الانتربولوجيا الجنائية و إنما يدرس ظاهرة الإجرام بصفة شمولية وعامة .
المطلب الثاني : علاقة علم الإجرام بغيره من العلوم
- پدرس علم الإجرام الظاهرة الإجرامية كموضوع جوهري، كما أن له صلة قوية بين باقي العلوم الجنائية الأخرى، حيث تشكل سندا له وشحنة لا يغني عنها.
ونتناول هذه العلوم كالتالي:
1: علم النفس الجنائي :
يتناول هذا العلم السلوك الإجرامي تناولا سيكولوجيا، حيث يعالج أثر التركيب النفسي للإنسان على سلوكه عامة
وعلى السلوك المنحرف بصفة خاصة. فالعوامل النفسية هي التي تميز الحيوان الناطق الذي هو الإنسان عن غيره من الكائنات لأن
دراسة الذكاء بنوعيه الفطري والمكتسب بالإضافة إلى التذكر والنسيان والعو والأنا والأنا الأعلى والطبائع البشرية، كل هذه الدراسات
التي يقوم بها علم النفس الإجرامي تساعد الباحث في علم الإجرام الذي تنصب اهتماماته على دراسة شخصية المنحرف ومدى تأثرها
بالمحيط العائلي الذي ترعرع فيه والإجتماعي الذي نشأ فيه .
2: علم الحياة الجنائي
يهتم هذا العلم (البيولوجية الجنائية) بحركية أو بوظائف الجينات أو الخلايا الوراثية للشخص المنحرف، كما يهتم
بصفة عامة، الكائن الغريب الأطوار من حيث تركيبته العضوية وما يحدث فيها من تفاعلات وتضادات تكون عاملا لسلوكه الإجرامي،
ومن شأن هاته الأبحاث والدراسات أن تساعد الباحث في علم الإجرام على فهم العوامل المؤثرة في السلوك المنحرف للأفراد في
المجتمع.
3: علم الإجرام والقانون الجنائي
إذا كان القانون هو مجموعة من القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع فإن القانون الجنائي
هو مجموعة من القواعد القانونية الملزمة والتي تستوجب الجزاء على من يخالفها، أما علم الإجرام فهو يهتم بدراسة الأشخاص المجرمين
للوقوف على أسباب الإجرام. وبعبارة أخرى فإن علم الإجرام ينظر للسلوك الإجرامي بينما القانون الجنائي يسعى لتكييف الوقائع
المخالفة للقانون ويحدد لها جزاءات وذلك على النتائج التي توصل إليها علم الإجرام كما أن هذا الأخير غالبا ما يعود في دراسته
وأبحاثه إلى فكرة الجريمة حسب التعريف الذي أعطي لها من طرف القانون الجنائي والملاحظة التي يمكن تسجيلها بخصوص العلاقة
بين علم الإجرام والقانون الجنائي هي أنه لا غنى لأحدهما على الآخر حيث أن هناك تكاملية بينهم. فعلم الإجرام من العلوم المساعدة
للقانون الجنائي فهدفهما واحد وهو التصدي للجريمة والقضاء عليها، أو حتى محاولة الإقلال منها والقاضي الجنائي يحاول أن يوظف كل
العلومات التي يصل إليها علم الإجرام لتفيده في وجود المسؤولية الجنائية أو انتفاءها وفي تشديد العقوبة أو تخفيفها من خلال أبحاث
علماء الإجرام.
4:علم الإجرام و المسطرة الجنائية :
قانون المسطرة الجنائية هو قانون الشكل الذي ينظم إجراءات الدعوى العمومية و كذا الدعوىا لمدنية التابعة من خلال النيابة العامة التي هي الجهاز أو الهيئة التي عهد إليها المشرع بتحريك الدعوى العمومية ومراقبة سيرهاحين صدور الحكم وتنفيذه بدءاً من مسطرة الإستماع للمشبوه فيه أمام الضابطة القضائية واستنطاقه كضنين من طرف النيابة العامة أو
قاضي التحقيق
وعلاقة علم الاجرام بقانون المسطرة الجنائية تتمثل في أن القاضي الجنائي ولتكوين قناعته لابد له من جمع أكبر عدد ممكن من
المعلومات عن المتهم تهم حياته الإجتماعية والنفسية والبيئية والإقتصادية التي يشتغل عليها علم الإجرام حتى يتمكن من تحديد العقوبة التي يستحقها المجرم في إطار الحدين الأدنى والأعلى.
5: علم الإجرام وعلم العقاب :
إن ميدان علم الإجرام هو الوقوف على الظاهرة الإجرامية والبحث في أسبابها أما علم العقاب فهدفه هو
توخي الوقاية من الجريمة وطرق علاجها ويمكن القول ومن وجهة نظرنا أن العلمين يشكلان توأما أحدهما يبحث في أسباب الجريمة
والآخر في طرق علاج الجريمة عن طريق العقاب والوقاية ، ولا يوجود برنامج جيد للوقاية دون التعرف بشكل فعال على أسبابها
وخصائصها وأنواعها وصورها، وعلاقة الإثنين هي علاقة قائمة نتيجة العلاقة بين الجريمة والعقوبة، فنتيجة الدراسات الإجرامية تؤثر
بصفة مستمرة على أفكار علماء العقاب كما أن الدراسة الحادة لعلماء العقاب تتطلب إلماما بنظريات ومبادئ علم الإجرام.
6: علم الإجرام و السياسة الجنائية :
يتصل علم الإجرام بالسياسة الجنائية من وجهين: الأول أنهما من العلوم النظرية المساعدة للقانون
الجنائي ويشتركان في ذلك تاريخيا وتطورا، والثاني أنهما يهتمان بالجانب الوقائي من الجرائم، إلا أن علم الإجرام يختلف عن السياسة
الجنائية لكونه يهتم بأسباب الظاهرة الإجرامية و كذا المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان كعلم الإحصاء الجنائي، في حين
السياسة الجنائية تحدد مصالح المجتمع الجديرة بالحماية مع بيان العقوبات الناجعة والمجذية .
7 : علم الإجرام و الأدلة الجنائية :
إذا كان علم الإجرام يدرس الجريمة والمجرم من خلال الأسباب التي أدت إلى ارتكاب الجريمة، فإن
علم الأدلة الجنائية يدرس السبل والطرق المؤدية لإكتشاف مرتكبي الجرائم، فالبحث الجنائي كان يعتمد الطرق التقليدية للبحث عن
مرتكب الجريمة ويستند إلى الأدلة المتداولة، لكن مع التقدم العلمي الكبير أصبح في مقدور المختبرات الجينية إثبات الجريمة من عدمها،
فعلم الأدلة الجنائية أصبح يتوفر على وسائل متطورة جدأ للكشف عن الفاعلين والمساهمين والمشاركين في بعض الجرائم الخطيرة كان
القاضي يقف أمامها موقف العاجز مع الطرق التقليدية.
علم الإجرام والأدلة الجنائية يكملان بعضهما من خلال بحث أحدهما عن أسباب الجريمة وكشف الثاني للفاعل عند وقوعها.
العوامل المؤثرة في السلوك الإجرامي:
إن السلوك الإجرامي للمجرم تؤثر فيه عوامل، منها ماهو داخلي، ومنها ماهو خارجي.
العوامل الداخلية:
قد يكون المجرم فاعلا مادياً أو مساهما أو مشاركا أو فاعلا معنويا، تحكمه عدة عوامل وأسباب تؤثر على سلوكه الإجرامي أهمها:
1: السن :
يلعب السن دوراً متباينا في السلوك الإجرامي لدى المنحرفين تبعا لإختلاف في العوامل الإجتماعية والشخصية، ونسبة
الجريمة قد تعرف الإرتفاع والإنخفاض تبعا للمرحلة العمرية التي يكون عليها الجاني. ويتبين من الإحصائيات تفاوت الإجرام بين
الجنسين الخشن واللطيف، في المجتمعات العربية. ويتضح من خلال الإحصائية الإجرامية لسنة 1999 (جمهورية مصر) أن نسبة
الإنحراف تختلف من مرحلة عمرية إلى أخرى، وبين جنسي الإناث والذكورتبعا للتغيرات النفسية والبيئية التي تحيط بكل فئة من الفئات
العمرية من نمو عقلي ونضج فكري وعوامل إقتصادية واجتماعية، حيث نجد أن المرحلة (بين 20 و30 سنة، 30,5%) هي الأكثر
ممارسة للأفعال الإجرامية، في حين نجد نسبة الإجرام عند الصغار الأحداث (بين 15 و20 سنة، 8%) مرتفعة مقارنة بمرحلة
الشيخوخة (بين 50و60 سنة، 0,5%) وأرذل العمر (فوق 60 سنة، 2,5%).
نخلص الى القول، أن الخصائص النفسية والتغيرات البيولوجية والظروف الإجتماعية بالإضافة إلى عامل السن تشكل علاقة متينة بين
عمر الإنسان وسلوكه الإجرامي.
2: الجنس :
إن الجرائم كما ترتكب من طرف الذكور ترتكب من طرف الإناث أيضا، لكن هناك تفاوت بين إجرام الجنس الخشن والجنس
المؤنث، حيث أن كل الثقافات والحضارات مهما بدى عليها الرقي والتحضر تؤكد بأن عدد الجرائم التي ترتكبها المرأة أقل بكثير عن
عدد الجرائم التي يرتكبها الرجل، ومثالا على ذلك إحصائية القضايا الجنحية بإقليم شفشاون لسنة 2011 ( نسب جرائم الاعتداء على
الأشخاص من طرف الذكور هي 81.5% تقابلها 10,8% بالنسبة للإناث، وجرائم الإعتداء على الأموال 89,13% للذكور، تقابلها
%10,9 بالنسبة للنساء، الجرائم الماسة بالأخلاق 67,69% للرجال، تقابلها 30,3% للنساء، جرائم الأسرة 69.4% للرجال و %30,6 للنساء). يتبين أن إجرام النساء أقل بكثير من إجرام الرجال. ثم إن المرأة من حيث طبيعتها وضعفها الجسماني تميل إلى جرائم
النصب والإحتيال والسب والفساد، أكثر من ميلها إلى جرائم العنف. ومع تطور المراة وخروجها للميدان العملي قد يؤثر في تعاطيها
للجريمة وقد يدفعها إلى اقتحام ميدان الإجرام الذي كان حكرا على الرجل.
3: الوراثة :
وهي انتقال خصائص الأصل إلى الفرع (السلف إلى الخلف)، وهناك نقاش حاد بين علماء الإجرام حول دور الوراثة في
السلوك الإجرامي، منهم من ينكر هذا الدور، ومنهم من يبالغ في ربط الجريمة بالوراثة.
ويمكن القول بأن العديد من الخصائص يتناقلها الخلف عن السلف وجيلا بعد جيل، (قدرات وطاقات وخصائص تشكل أرضية الإستعداد
الإجرامي). أما السلوك الإجرامي فلا يدخل في التركة ونستحضر قول رسول الله ص ” كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو
ينصرانه أو يمجسانه”.فهذا الحديث الشريف يوضح أن الضمانة الوقاية من الجرائم هي التربية، وأن الدين هو أساس كل نجاح وفلاح.
وفي المقابل نجد أن التأثيرات الوراثية والمحيط الإقتصادي والإجتماعي والديني تلعب دورا أساسيا في سلوك الإنسان وهذا ما يستشف
من حديث رسول الله (ص) “تنكح المراة لأربع لمالها أو لحسبها أو لجمالها، أو لدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك”.
بتفسيرنا لهذا الحدث يتبين أن المال والحسب يتعلقان بالظروف الإقتصادية والإجتماعية، أما الجمال فيتعلق بالجانب الوراثي الذي ينقل
من الأصل إلى الفرع جينات وخصائص يكون لها تأثير كبير على السلوك الإنساني الذي قد يكون سلوك الأسوياء وقد يكون سلوك الأشرار، ويكون الرسول (ص) من خلال هذا الحديث قد سبق عالم الإجرام الطبيب لومبروزو في نظريته المتعلقة بفكرة التكوين البيولوجي عند المجرمين. إلا أنه (ص) ركز على الدين كضمانة أساسية لنجاح الحياة الزوجية وسلامة النسل من كل المعوقات.
4: السكر والإدمان على المخدرات :
السكران هو الذي يختلط كلامه المنظوم فيبوح بسره المكتوم.
فالمدمن والمتعاطي المسكرات والمخدرات هي عوامل بيولوجية تعد المجرم لإرتكاب الجرائم، لما لها من تأثير على جهازه البيولوجي
والعضوي فتراه يقترف جرائم الضرب والجرح والعنف والاغتصاب، وحتى زنا المحارم، وكذا حوادث السير التي يكون أغلب أسبابها
المسكرات والمخدرات، ويكفي أن نستحضر الأرقام المهولة لحوادث السير في للمغرب المتمثلة في 4000 من القتلى و14 مليار درهم
کخسائر مادية سنويا ليتبين بالملموس مدى خطورة المسكرات والمخدرات في حدوث الجرائم والكوارث.
المبحث الثاني: العوامل الخارجية المؤثرة في السلوك الإجرامي
كما تتأثر ظاهرة الإجرام بالعوامل داخلية تتأثر أيضا بالعوامل الخارجية التي لها علاقة بالمحيط الخارجي من ظروف سياسية
واقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى دور الأسرة والأصدقاء وتأثيرهم على سلوك الإنسان إيجاباً وسلبا.
1: العوامل السياسية :
إن الدول التي تشرك شعوبها في تسيير شؤوونها، وتدبير أمورها في إطار من الشفافية والنزاهة والمساواة وتكافؤ الفرص، ووضع الرجل في المكان المناسب والإمتثال للأموامر وإجتناب النواهي، و العمل على تحقيق المصلحة العامة، هو مايجعل من الدولة قوية ولا تخضع للأوامر الخارجية أو الصندوق الدولي للنقد، الذي يرسم سياسة الدول المتخلفة وغير الديمقراطية.
إن الدول التي تأخذ بمبدأ الشورى، وتسند مسؤولية التشريع ومراقبة الحكومة لأهل الحل والعقد الذين تتوافر فيهم شروط العدالة والعلم
والحكمة، بمقدورهم أن ينجحوا في مواجهة المستجدات والطوارئ.
ويشير القرآن الكريم إلى مبدأ الشورى الذي اتبعته ملكة سبأ مع قومها في أروع معانيه قوله تعالى: “…قالت بأيها الملأ أفتوني في
أمرى ماكنت قاطعة أمرأ حتى تشهدون …”
وهكذا فالدول الناجحة في سياساتها التشريعية والقضائية والتعليمية والصحية والسكنية والسياحية و محاربة الأمية و الإجرام، يكون
نظامها السياسي بخير، عكس الدول التي يشوبها خلل فيما ذكر أنفا. (استفحال ظاهرة الاجرام وكثرة الجرائم بأنواعها التقليدية
والعصرية..).
2: العوامل الإقتصادية :
تؤدي الأسباب الاقتصادية إلى جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة والفساد واستهلاك المخدرات والتهديد
بالاعتداء والشتم والسب… فالدولة التي تعيش خللا في اقتصادها، واحتكار المقدرات للشعوب و السيطرة على موارد ، وهيمنة على
ينابيع الأرزاق يظهر فيها صراع الطبقات و تناحر الشركات وسيطرة القوي على الضعيف، فنكون أمام طبقة فقيرة مسحوقة وطبقة غنية
على حساب الفقراء المعوزين، وأمام هذا التناقض الصارخ، تعشعش الجريمة في العقول، فالجريمة كما يرتكبها الفقير لسد جوعه…
يرتكبها الغني لإشباع غرائزه، إلى جانب الجرائم الجرائم التي يرتكبها كلى الصنفين على حد سواء ك (الخيانة الزوجية و الاغتصاب،
.والاعتداء على العقار…)
3: العوامل الثقافية :
تتمثل العوامل الثقافية في مجموعة من القيم والمثل العليا الأخلاقية والدينية والعقائدية والفنية و القانونية والمعرفية، فالثقافة هي “الإنماء
العلمي و الأدبي للإنسان” يولد الطفل على الفطرة فللتعليم اثر في توجيهه ولوسائل الإعلام وقع على شخصيته.
أ : التعليم :
إن العلم والتعليم يعتبران دعامة كل تقدم و إزدهار، وكل تحرر وإنعتاق، وبوصفهمها أحد الأهداف الأساسية التي يجب
ترسيخها في المجتمع، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: “اقرأ باسم ربك الذي خلق”
وقوله تعالى: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”… فالإسلام اذن عدد في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. حيث تظهر لنا وبجلاء نظرة الإسلام السامية إلى العلم والعلماء باعتبار العلم هو مفتاح كل تقويم وتهذيب، والسراج المنير لكل نظام، والمقود الحكيم لكل قائد.وإلى هذه المعاني يشير الرسول (ص) في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة ومنها: ” فضل العلم خير من فضل العبادة” ، ” الناس رجلان عالم ومتعلم ولا خير فيما سواهما” .
والتعليم سلاح ذو حدين يمكن استعماله للبناء بناء على أسس تربوية ومناهج تقويمية ناجحة، ويمكن استخدامه للهدم إذا بني بنيانا هشا
أساسه الغش والخداع وخيانة الأمانة. وعلى كل أب مسؤول ان يربي ولده بتعاون مع المدرسة ليكون عضواً صالحاً في المجتمع.
ب : وسائل الإعلام :
الإعلام سواء كان مرئيا أو مسموعا أو مكتوبا يشكل ثورة خطيرة في عالم التكنولوجيا الحديثة، فالاعلام يشكل
مدرسة مهمة في تكوين الأجيال من خلال البرامج الهادفة والندوات الفاعلة في تهذيب النفوس و تنوير العقول، وعلى العكس منه بعض
البرامج والافلام و المسلسلات قد يكون لها تأثير على سلوك الاطفال والشباب نحو الانحراف والاجرام.
4: العوامل الاجتماعية :
من العوامل الخارجية لارتكاب الجريمة المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل من أسرة وأصدقاء ومدرسة
الأسرة : بعتبرها المنشأ الأول للطفل، فإذا كانت الأسرة فاسدة فسد نسلها،
يولد الولد كصفحة بيضاء يمكن للأسرة أن تكتب فيها ماتشاء، ويقول صلى الله عليه وسلم:
” كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” .
فأهم حقوق الطفل أن يعيش في سكينة وحنان ودفئ أسري، وحياة خالية من العنف، بالإضافة إلى سكن لائق ونظيف يحتوى على عدد كافي من الغرف.
ب : المدرسة : المدرسة هي المجتمع الأصل الذي ينضم إليه الطفل بعد فترة طفولته الأولى التي يقتصر فيها على مجتمع الأسرة، وهي
المكان الذي يمضي فيه الحدث جانبا من وقته وتكون له عونا على شق طريق شريف لحياته في مستقبل أيامه، فالمدرسة التي تنتشر فيها
ظاهرة التدخين والمخدرات بين التلاميذ، وأمام قلة المراقبة والتعاون بين البيت والمدرسة تكون النتيجة سلبية على سلوك الأبناء.
ج: الأصدقاء : يختار الإنسان اصدقائه من جيرانه حيث يقطن، ومن مدرسته حيث يدرس، ومن محيط عمله حيث يعمل، وقد تختلف
المستويات المادية والتربوية فيما بينهم، قد يكون الصديق صالحاً ذي سلوك حسن وتربية حسنة وعقلية صحيحة تسعى نحو العمل
والإزدهار، وقد يكون طالحاً يعيش بيئة التفسخ والانحلال، والاصدقاء كما يؤثرون إيجابياً في حياة الفرد، يؤثرون سلبا كذلك.
ونخلص إلى أن العوامل الاجتماعية من أسرة ومدرسة واصدقاء تلعب دوراً فعالا في سلوك الإنسان.
5: العوامل الجغرافية :
وهي مجموعة من الظروف التي تختلف من منطقة إلى أخرى والتي تتعلق بالموقع والمناخ وطبيعة الأرض
ولهذه العوامل دور في التأثير على السلوك الإجرامي للإنسان كما ونوعا وزمانا ومكانا.
ويمكن تفسير العلاقة بين المناخ والظاهرة الاجرامية إلى ثلاث نضريات:
أ : النظرية الطبيعية :
يربط أنصار هذه النظرية الظاهرة الإجرامية بالمناخ، ويعتقدون أن اختلاف الليل والنهار وتقلبات درجات الحرارة
والرطوبة اختلاف الفصول الأربعة يشكل أثرا مباشرا على السلوك الإجرامي للإنسان.
إن السرقة كما ترتكب في الليل (سرقة موصوفة)، ترتكب في النهار، كما أن جرائم الأموال لا تقتصر على السرقة فقط بل إنها تهم
النصب والاحتيال… وغالبا ما تقع هذه الأفعال في النهار. كما أنه ليس بالضرورة أن ترتكب الجريمة تحت ضغط الحرارة.
ب : النظرية الاجتماعية :
يرى أصحاب هذه النظرية بأن العلاقة بين الظاهرة الاجتماعية والمناخ غير مباشرة، وقد نجحوا من خلال
الملاحظة والتجربة في إعطاء تفسير منطقي لارتفاع نسب أنواع معينة من الجرائم في فصلي الشتاء والصيف، لكن في المقابل لم يتمكنوا
من إعطاء تفسير منطقي لبعض الجرائم، منها الأخلاقية التي تكثر في فصل الربيع ومستهل فصل الصيف، كذلك جرائم السرقة وجرائم
العنف بين الفلاحين في موسم السقي.
ج: النظرية الفيسيولوجية النفسية :
يرى أصحاب هذه النظرية أن العلاقة بين تقلبات الفصول الأربعة وظاهرة الإجرام هي علاقة غير مباشرة ذلك ان تغير المناخ يؤثر على وظائف أعضاء جسم الإنسان وكذا طباعه، إلا أن هذه النظرية لم تنجح في إعطاء متكامل للعلاقة بين ظاهرة الإجرام والمناخ ،لأنها لم تهتم بالجرائم الاخري بقدر ما اكثرثت بجرائم العرض، كما أن تحليلها للغريزة الجنسية التي أوضحت أنها تنشط في فصل الربيع وفي مقدمة فصل الصيف دون تعداد باقي العوامل التي تؤدي إلى فتورها من أمراض وظروف
نفسية. مما عرضها للإنتقادات
الفصل الثالث: علاج ظاهرة الإجرام :
الفرع الاول : دور الجزاء في محاربة ظاهرة الإجرام
- إن الجزاء في العديد من التشريعات ومنها القانون الجنائي المغربي يتألف من شقين الأول يتعلق بالعقوبة و الآخر بالتدابير الوقائية.
المبحث الأول : العقوبة:
1 : تعريف العقوبة :
العقوبة هي ألم يصيب المحكوم عليه من طرف المحاكم إما في جسمه عندما يحكم عليه بالإعدام، أو حريته عندما يحكم عليه بالسجن
أو الحبس، أو في ماله (الغرامة). وقد مرت بعدة مراحل: (مرحلة الإنتقام، ثم مرحلة التكفير، ثم مرحلة الإخافة، ثم مرحلة الإصلاح، ثم
مرحلة العلاج).
2 : صفات العقوبة:
أولا: صفة الشرعية :
أي أن المجرم لا يمكن الحكم عليه إلا بالعقوبات التي حددها القانون إحترما لمبدأ شرعية التجريم والعقاب، وعملا
بقاعدة ” لا يسوغ مؤاخدة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون، ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون “.
ثانيا: صفة المساواة :
إن المساواة كصفة من صفات العقوبة، تعني أن المواطنين متساوون أمام القانون كأسنان المشط لا فرق بين
غنيهم وفقيرهم، فلا أحد فوق القانون.
ثالثا: صفة الشخصية :
تعني أن العقوبة لا تطبق إلا على المجرم الذي ثبتت ضده الجريمة إما كفاعل مادي أو كمساهم، أو كمشارك أو
كمسؤول عن فعل الغير، احتراماً لقوله تعالى: “لا تزر وازرة وزر أخرى “. وعملا بمبدأ شخصية العقوبة.
رابعا: صفة المصلحة:
من خلال هذه الصفة يتعين الإبتعاد عن العبثية عند تطبيق العقوبة بتوخي الغاية من تطبيقها والفائدة من تنفيذها،
فإذا حكم على شخص بالإعدام يجب الوقوف عند هذا الحد دون بتر(قطع) يده أو رجله أو لسانه مثلا.
المطلب الثاني : أنواع العقوبات
إضافية، والعقوبات الأصلية إما جنائية أو جنحية أو ضبطية.
النتائج المترتبة عن تقسيم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات:
أ: من حيث التحقيق:
أ: من حيث التحقيق:
1 : الجنايات المعاقب عليها بالاعدام أو السجن المؤبد أو التي يصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها 30 سنة .
2 : في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث.
3 : في الجنح بنص خاص في القانون.
– يكون إختياريا فيما عدا ذلك من الجنايات وفي الجنح المرتكبة من الأحداث، وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها
خمس سنوات وأكثر.
ب : من حيث التقادم :
فقد تتقادم الجنايات بمرور 15 سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم إرتكاب الجناية. وتتقادم الجنحة بمرور أربع سنوات ميلادية تبتدأ من يومب : من حيث التقادم :
إرتكاب الجنحة. وتتقادم المخالفة بمرور سنة واحدة ميلادية تبتدأ من يوم إرتكاب المخالفة وقد يعاقب على المحاولة في الجناية بصورة مطلقة، وفي الجنح لا يعاقب عليها إلا بمقتضى نص، وفي المخالفات لا عقاب عليها مطلقا . : من حيث الإختصاص : (الاختصاص النوعي والاختصاص المكاني). الاختصاص النوعي بالنسبة للجنايات ينعقد الإختصاص لغرفة الجنايات لدى محاكم الإستئناف، وبالنسبة للجنح والمخالفات يكون فيها الإختصاص للمحاكم الابتدائية، وبالنسبة للاختصاص المكاني ( الترابي ) فينعقد للمحكمة التي يقع في دائرة نفوذها إما محل ارتكاب الجريمة، وإما محل إقامة المتهم أو
محل إقامة أحد المساهمين أو المشاركين معه في الجريمة، وإما محل إلقاء القبض عليهم أو على أحدهم أخر .
بالنسبة للمخالفات تتحقق حالة العود إذا ارتكبت نفس المخالفة خلال السنة التالية للنطق بالحكم الخاص بالمخالفة الأولى .
بالنسبة للجنح لا يعتبر المتابع في حالة عود إلا إذا توفرت الشروط الآتية :
ارتكب جناية ثانية يعاقب عليها طبقا للقانون .
المطلب الثالث : مهام المشرع في تحديد الجزاء
المشرع هو الذي يحدد العقوبة مبدئيا تأسيسا على مبدأ شرعية التجريم والعقاب، لأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، غير أنه يصعب
فهم ومعرفة ملابسات جريمة كل شخص ولذلك فإنه يضع للعقوبة حدين أعلى وأدنى، ليترك للقاضي حرية التصرف في تفريد العقاب
المناسب لكل مجرم في إطار القانون. كما خول له إمكانية تمتيع المتهم بظروف التخفيف إن توافرت شروطها، أو تشديد العقوبة في حقه،
ما سمح له بجعل العقوبة موقوفة التنفيذ إذا دعت الظروف وطبقا للقانون دائماً.
المطلب الرابع : صلاحيات القاضي في تحديد العقوبة
تتجلى مهامه (القاضي في التصرف في العقوبة بين الحدين الأدنى والأقصى وفي تمتيع المحكوم عليه بظروف التخفيف وبجعل العقوبة
موقوفة التنفيذ في حقه.
1: التصرف في العقوبة بين الحدين الأقصى والأدنى :
إن مهمة القاضي عند ثبوت إدانة المتهم في التصرف في العقوبة بين الحدين
الأدنى والأقصى حسب ظروف المتهم و ملابسات الجريمة، وطبقاً لما رسمه له القانون في احترام تام لمبدأ شرعية التجريم والعقاب .(
لا تجاوز للعقوبة ولا هبوط عن حدها الأدنى الا وفق الشروط ) ف 141 من ق.ج.
2: تمتيع المحكوم عليه بظروف التخفيف :
للقاضي صلاحية النزول عن عن الحد الأدنى للعقوبة إذا رأى أنها قاسية وغير عادلة مقارنة
بالفعل المرتكب ف 146 من ق.ج.
3: إمكانية الحكم بوقف التنفيذ :
للقاضي صلاحية في جعل العقوبة موقوفة التنفيذ بعد التصريح بإدانة المتهم من أجل المنسوب إليه ( حالة الحكم بعقوبة الحبس أو الغرامة في غير مواد المخالفات إذا لم يكن سبق الحكم على المتهم بالحبس من أجل جناية أو جنحة عادية يحوز للمحكمة ايقاف تنفيذ العقوبة مع التعليل ) و الهدف من تقرير هذه الصلاحية للقاضي هي الحيلولة دون دخول المجرم الابتدائي إلى السجن أو الإصلاحية لكي لا يختلط بالمجرمين ويأخد منهم الخبرة والدروس بالميدان الإجرامي، ثم تشجيعه على التوبة والتفكير مليا قبل الإقدام على الجرائم التي أدين من أجلها.
التدابير الوقائية :
إن التجارب أثبتت أن القانون كلما تدخل بقوة إلا وارتفعت وتيرة الجريمة، وتكاثرت حالات العود فأصبح التفكير في التدابير الوقائية
يطرح بإلحاح، والتدابير الوقائية هي مجموعة من الإجراءات المنصوص عليها في القانون، والتي توقع من طرف السلطة القضائية
لمواجهة الظاهرة الإجرامية، وحماية الأمة منها.
المطلب الأول : دور التدابير الوقائية القبلية
تلعب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية دورا مهما وفعالا في التأثير على سلوك الأفراد إما إيجابيا أو سلبيا، فصلاحها يكون
تدبيرا وقائيا يقلل من ظاهرة الإجرام وفسادها يبرز ظاهرة الإجرام بكثرة .
المطلب الثانية : دور التدابير الوقائية البعدية
التدابير الوقائية هي مجموعة من الإجراءات التهديبية و العلاجية المنصوص عليها في القانون والتي ترمي إلى تأهيل المنحرف
وإعادته عضوا صالحا في المجتمع و بالتالي تفادي مصادر و ينابيع الخطورة الإجرامية.
الفقرة الأولى : خصائص التدابير الوقائية
1: شرعية التدابير: ( لا تدبير بدون نص ) ف 8 من ق.ج.
2: رجعية التدابير: بالنسبة للعقوبات تخضع لمبدأ عدم رجعية القوانين اللهم ماتعلق بالحالات الإستثنائية. وبالنسبة للتدابير الوقائية فإن
مبدأ عدم الرجعية يستبعد فيها، ولا يحكم إلا بالتدابير المنصوص عليها في القانون النافذ وقت صدور الحكم.
3: شخصية التدابير الوقائية : تطبق على من ارتكب الجريمة سواء فاعلا أو مشاركا أو مساهما ولا تطبف على الغير إلا إسثناء ( إذا
تعلق الأمر بمصادرة الأشياء الضارة أو ، أو إغلاق المحل الذي استخدم في ارتكاب الجريمة ) ف 62 من ق.ج.
4: ارتباط التدابير الوقائية بالأفعال الإجرامية الخطيرة : تقوم التدابير الوقائية على أساس الخطورة الإجرامية لدى الشخص المنحرف
الذي يخشى منه إرتكاب فعل قد يضر بالمجتمع مستقبلا، فإذا كان الأساس الذي تقوم عليه العقوبة هو الجريمة، فإن الأساس الذي تقوم
عليه التدابير الوقائية هو الخطورة.
الفقرة الثانية : التدابير الوقائية الشخصية
التدابير الوقائية الشخصية هي المنصوص عليها في الفصل 61 من ق،ج وهي:
1: الإقصاء :
هو إيداع العائدين التي تتوفر فيهم الشروط داخل مؤسسة للشغل ذات نظام ملائم لتقويم الإنحراف الاجتماعي .
2: المنع من الإقامة :
هو منع المحكوم عليه أن يحل بأماكن معينة و لمدة محددة ( حيت أن إقامته في مكان معين قد تكون خطرا على
المجتمع ) .
3 : الإجبار على الإقامة بمكان معين .
4: الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية :
هو أن يوضع شخص في مؤسسة مختصة بقرار من محكمة الموضوع اذا
كان متهما بإرتكاب حماية أو جنحة أو المساهمة و لمشاركة ولكنه كان وقت ارتكاب الفعل في حالة خلل عقلي ثبت من خلال رعاية طبية
5: الوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج :
أن يكون تحت المراقبة تحت مؤسسة ملائمة و بمقتضى حكم صادر عن قضاء الحكم شخص
ارتكب جناية أو جنحة و كان مصابا بتسمم مزمن إذا ظهر أن لإنحرافه علاقة بذلك
6 : الوضع القصائي في مؤسسة فلاحية :
الحكم للمحكوم عليه من أجل جناية أو جنحة عقابها الحبس قانونا أن يقيم في مركز مختص
7: عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف العمومية:
7: عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف العمومية:
مزاولة الوظيفة و المدة لا تفوق 10 سنوات .
8: المنع
8: المنع
المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن سواء كان ذلك في حق المحكوم عليه بجناية أو جنحة عندما يتبين للمحكمة الجريمة المرتكبة
الفقرة الثالثة : التدابير الوقائية العينية
وهي:
1: مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة والخطيرة أو المحظور امتلاكها ف89 من ق.ج.
2: إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة، ف 90 ق،ج.
وسواء أكانت التدابير الوقائية قبلية أو بعدية، فإن حسن تدبيرها وتطبيقها يساهم في الإقلال من ظاهرة الإجرام أو على الأقل التخفيف
منها.
دور الإيمان في حماية حقوق الإنسان وظاهرة الإجرام:
إن الإنسان جسد وروح، شهوة وعقل، إنسان وحيوان، ملاك وشيطان، وفي ظل هذه التقلبات قد تكون نفسه أمارة بالسوء، فتكون هناك
اعتداءات على حقوق أخيه الإنسان وانتهاكات للأوامر والنواهي فينتشر الظلم، والفساد والجبروت،
– دور القانون محدود لضبط سلوك الفرد:
مهمى كانت القوانين مطابقة للعدل، فإنها لا تعتبر بأي حال من الأحوال قوة رادعة للذات والوجدان بقدر ما هي قوة تتجسد في السلطة أو
الحكومة المكلفة برعايتها وتنفيذها. فالقانون لا يستطيع أن يكبح جماح النفس الإنسانية، او يظبط سلوك الأفراد بشكل يخدم مصلحة العدل
ليس إلا.
– الفلسفة الاخلاقية لا تكفي ولا تغني:
إن الفلسفة الأخلاقية بإمكانها أن توجه أفرادا معدودين، وبالتالي يكون تأثيرها محدوداً لا ينفذ إلى الأعماق كما هو الشأن بالنسبة للدين،
فلا يمكنها إذن أن توجه الجماهير الغفيرة من الناس.
*إن الطريق الوحيد لتنظيم سلوك الأفراد تنظيماً يرضي الله وعباده في الدنيا والآخرة هو طريق الدين والإيمان
– الإمان طريق الخلاص والفلاح:
المبحث الأول: الإيمان وصفات المؤمن
أولا: الإيمان لغة: هو المحبة والمثل إلى ما يوافق المحب من حسن وجمال، أو فضل أو كمال، أو خير وإحسان.
ثانيا: الايمان شرعا: هو الإعتقاد بالقلب، وليس باللسان ولا حتى بالعقل فحسب، ويتطلب المسؤولية الكاملة في عدم الخروج عن العقيدة.
العقيدة هي مجموعة من القضايا الحق البديهية المسلمة بالعقل والسمع والفطرة. فالإيمان الصادق والحقيقي هو الذي لا يخاطبه شك ولا
ريب وهو العمل الذي يتمثل في الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله، ثم جهاد النفس.
2 : معتقدات المؤمن
الدين ثلاث درجات أعلاها الإحسان وأوسطها الإيمان و يليه الإسلام. ولكي يكون الإنسان مؤمنا يجب أن تكونة له معتقدات يؤمن بها
وهي: الإيمان بالله؛ الإيمان بالملائكة؛ الإيمان بالكتب؛ الإيمان بالرسل؛ الإيمان باليوم الآخر؛ الإيمان بالقدر خيره وشره.
صفات المؤمنين:
قال تعالى ” إنما المؤمنون الذين إذا ذكر اسم الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربعم يتوكلون الذين يقيمون
الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولائك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم”
1: صفة مقام الخوف.
2: صفة مقام الزيادة في الإيمان .
3: صفة مقام التوكل على الرحمان .
4: صفة إقامة الصلاة بأتمها .
5: صفة الإنفاق من رزق الله .
مراتب المؤمنين وتفاضلهم:
إن للمؤمنين مراتب في معرفة | ترقون فيها حتى يبلغوا الكمال في معرفة خالقهم،
1 : مراتب المؤمنين
أولا:
ثانيا: مرتبة أهل الإيمان التقليدي الحاصل لهم عن طريق الشعور الفطري،. واستفاضة الاخبار بوجود الله تعالى.
ثالثا: معرفة المؤمنين من أهل الشرائع الإلهية، وهي مرتبة عالية في معرفة الله تعالى والإيمان به، وهم المعنيون بقوله تعالى: ” إنما
بخشى الله من عباده العلماء”.
رابعا: مرتبة الانبياء والمرسلين بالله تعالى، وهي مرتبة أعلى من سابقتها وأتم وأكمل من كل مراتب المعرفة بالله عز وجل والإيمان به
وخشيته وطاعته.
2 :التفاضل بين المؤمنين
” وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا”.
ويقول عز من قائل : ” الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور”.
أ_ الأصل في تفاضل المؤمنين:
المؤمنون يتفاضلون في إيمانهم، وتفاضله يتجلى في زيادته بالطاعة، ونقصانه بالمعصية. لقوله تعالى : ” إنما المؤمنون الذين إذا ذكر
الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا”. والأصل في تفاضل المؤمنين في إيمانهم زيادة ونقصانا قوله (ص)” الإيمان
سبع وسبعون شعبة والحياء والحياء شعبة من الإيمان”. فمن استكمل الشعب استكمل الايمان ومن نقص منها نقص إيمانه.
أدلة تفاضل المؤمنين:
ب_
هناك أدلة قرآنية وأحاديث نبوية شريفة تدل على تفاضل المؤمنين، استناداً لقوله تعالى ” ومن يطع الله والرسول فؤلنك مع الذين أنعم الله
عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا”
والمؤمنون يتفاضلون في الصلاة والصوم والذكر والصدقة والجهاد والعمرة والحج… وقال صلى الله عليه وسلم في وجه تفاضل حسن
الخلق ” إن من خياركم أحسنكم أخلاقا”.
د : في أي شيء يقع تفاضل المؤمنين:
يقع تفاضل المؤمنين في الأعمال ، فتكون الزيادة في الإيمان بالطاعات ويكون النقص في الإيمان بارتكاب المعاصي والنقص في
الطاعات إما بالتكليف أو العذر.
المبحث الاول : دور الإيمان في حماية الحقوق في جميع مجالات الحياة
يلعب الإيمان دورا أساسيا و فعالا في حماية الحقوق في جميع مجالات الحياة سواء المالية أو في التجارة والمعاملة أو في الاعتراف
بالجريمة و تحمل العقوبة أو في الإيثار ( خاصية من خصائص المؤمن).
المطلب الأول : دور الإيمان في نفسه اية الحقوق المالية أو التجارية و في مجال المعاملة :
_ يلعب الإيمان دورا أساسيا في تكوين ضمير المؤمن و يشكل دعامة أساسية للأخلاق التي بها تقوم الأمم وتصلح الشعوب والأجناس.
ويتجلى هذا الدور في العديد من المجالات:
1: في المجالات المالية :
من المعروف أن الدولة تفرض الضرائب على المكلفين بها لقاء الخدمات التي تقدمها لهم في إطار القوانين
الوضعية، إلا أن هؤلاء تراهم يتهربون من تأدية هذه الواجبات المالية بشتى الوسائل، والسبب يعود بالأساس إلى انعدام الإيمان. في
المقابل نجد المؤمن في تأدية الزكاة وهي من أركان الإسلام، يؤدي ما فرضه الله عليه، عن طيب خاطر، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسبه
العاملون عليها، وهو بذلك يسعى إلى ابتغاء مرضاة الله أولا وأخيرا.
*إن الإيمان عندما يتغلغل في القلوب ويسيطر على العقول، فإنه يشكل ضمانة لا تمتثلها ضمانة في حماية حقوق الإنسان.
2: في التجارة والمعاملة :
إن عنصر المضاربة والربح الطابع الأساسي في عالم التجارة، وقد تكون هناك خيانة أو غش أو تدليس يدفع
الشخص للتعاقد أو الإكراه. إلا أنه مع الإيمان تزول هذه العوائق و الإكراهات، لأن المؤمن دائما يستحضر الله وخشيته منه، فلا يجرا
على ارتكاب المعاصي واغتصاب الحقوق.
* فالإيمان يعتبر الدعامة الأساسية في حماية حقوق الإنسان ، لأنه مع الإيمان تكون هناك الرقابة الذاتية والمحكمة الوجدانية.
المطلب الثاني : دور الإيمان في الإعتراف بالجريمة و تحمل العقوبة و في الإيثار و المواساة
يلعب الإيمان دوراً أساسياً في حماية حقوق الإنسان، ويتجلى في الإعتراف بالجريمة وتحمل العقوبة، وفي الايثار والمواساة.
1: الإعتراف بالجريمة و تحمل العقوبة :
قد يعمد بعض المجرمين إلى ارتكاب أفعال إجرامية بثوب القانون أو تحت حماية ذوي السلطان والجاه، إلا أنه مع الإيمان تغيب هذه
الغطاءات والحمايات، فترى المؤمن إذا زلت قدمه سرعان ما يستيقظ ضميره تجده يجري نحو رجالات العدالة للإعتراف بذنبه أملا في
تطهير أثامه و تصحيح أخطائه لا يخيفه في ذلك جلد أو سجن .
. *فالايمان يلعب دوراً فعالاً في إقبار الجريمة،ذلك أن المؤمن دائما يستحضر اليوم الموعود يوم لقاء الله حيث تحاسب كل نفس بما
عملت
2: الآثار والمواساة:
والمساواة باسترخاص المال والنفس، فيحب لأخيه ما يحب لنفسه، مستحضرا حديث رسول الله (ص) “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه
ما يحب لنفسه”.
دور الإيمان في رعاية القوانين و الأمانات :
مهما كانت النصوص القانونية قواعد آمرة، وقواعد عامة ومجردة وقواعد ملزمة، إلا أنه لا يمكن ضط كل مخالف أو عاق، فالقانون
عاجز عن تحقيق هذا المبتغى، وهنا يأتي دور الإيمان في رعاية القواني
أولا: دور الإيمان في رعاية القوانين
يلعب الإيمان دورا فعالا في رعاية القوانين في غيبة الحراس لعجزهم عن رؤية كل مخالف أو غشاش.
1_ في احترام قوانين السير :
إن كان السائق مؤمنا فإنه سيرعي القانون ويحترمه خوفا من الله لا من حراس القانون ولا استنادا إلى منصبه بل احتراما للقانون.
2_ في احترام قوانين البناء :
هناك مجموعة من الخروقات التي قد تطال مجال البناء من بناء طابق أو طابقين بدون رخصة، ومن عدم احترام المسافة الفاصلة مع الجار… لكن مع الإيمان لا تقع هذه الخروقات لأن المؤمن يخاف الله ويحترم القانون، كما لا يريد أن
يلحق الضرر بجاره، استحضارا لقوله (ص) ” مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”.
3 _ من حيث احترام المواعيد والنوبات والنظام الداخلي:
مع الايمان يؤدي كل مسؤول واجبه، وينضبط كل مواطن في قضاء مصالحه طبقا للقوانين والقرارات الجاري بها العمل على وجه
المساواة والعدل، لا فرق في ذلك بين الأغنياء والفقراء والأساتذة والتلاميذ.
ثانيا: دور الإيمان في رعاية الأمانات:
الأمانة شيء عظيم لا يمكن الاطمئنان لحاملها إلا إذا كان على درجة عالية من الأخلاق والفضيلة.
والأمانة تشمل كل مناحي الحياة، (السياسة والحكم، والإدارة والأخلاق).
اولا: في السياسة
هذا الأساس يجب على الحاكم أن يكون قويا أمينا، لأن القوة وحدها بدون أمانة تخريب، والأمانة مع الضعف ضياع، وبالقوة والأمانة
تأتي الزعامة.
ثم إن الرسول (ص) قوي أمين في الإدارة والسياسية وحتى في الحرب، بل إنه اشتهر في الصغر بأنه الأمين.
ثانياً: في الإدارة والأخلاق
قويا، لأن الإيمان يلعب دوراً أساسياً في رعاية القوانين والامانات، وفي ذلك يكمن سر النجاح والفلاح.