مادة علم الاجتماع القانوني S1, هو فرع من العلوم الاجتماعية يهتم بدراسة التفاعلات بين القانون والمجتمع. في السياق المغربي، يتناول هذا العلم العديد من القضايا والمواضيع المتعلقة بالقانون وكيفية تأثيرها على المجتمع المغربي. وإليك شرحًا أكثر تفصيلاً للموضوع:
هذا شرح أكثر تفصيلاً حول موضوع علم الاجتماع القانوني المغربي:
علم الاجتماع القانوني في المغرب:
- القانون والمجتمع:
- يبحث علم الاجتماع القانوني في كيفية تأثير القوانين واللوائح على سلوك الأفراد والمجتمع ككل.
- يتناول الباحثون في هذا المجال كيفية استجابة المجتمع للقوانين وكيفية تطوير السلوك الاجتماعي بناءً على التشريعات.
- العدالة الاجتماعية:
- يتعامل علم الاجتماع القانوني مع مفهوم العدالة الاجتماعية وكيفية تحقيقها من خلال القوانين واللوائح.
- يتناول الباحثون قضايا مثل توزيع الثروة والفرص بين أفراد المجتمع وكيفية ضمان المساواة والعدالة الاجتماعية.
- الجريمة والعقوبات:
- يدرس علم الاجتماع القانوني القوانين المتعلقة بالجريمة ونظام العقوبات في المغرب.
- يحلل الباحثون أسباب الجريمة وتأثير العقوبات على المجتمع والجريمة نفسها.
- حقوق وحريات الأفراد:
- يتناول علم الاجتماع القانوني دراسة حقوق وحريات الأفراد في المغرب وكيفية حمايتها وتعزيزها.
- يتعامل مع مواضيع مثل حرية التعبير وحقوق الإنسان وحرية المعتقد والمزيد.
- التغيير الاجتماعي والقانون:
- يستكشف علم الاجتماع القانوني كيفية تأثير التغيرات الاجتماعية والثقافية على التشريعات والسياسات القانونية.
- يتناول المفاهيم المتغيرة للعدالة والقانون وكيفية تكييفها مع التحولات في المجتمع.
علم الاجتماع القانوني في المغرب يعد مجالًا هامًا لفهم كيفية تفاعل القانون والمجتمع وكيف يمكن تطوير القوانين واللوائح لتلبية احتياجات المجتمع بشكل أفضل. إذا كنت تفكر في متابعة دراسته أو مهنة في هذا المجال، يمكنك البحث عن برامج دراسات عليا أو مؤسسات تعليمية تقدم هذا التخصص في المغرب.
كل ما سنتطرق عليه :
مقدمــة
أولاـ ــ مفهوم العلوم الاجتماعية المدروسة
أ – مفهوم القانون و علم الاجتماع
1-مفهوم القانـون
1- 1 القانون بالمعنى العـام
1- 2 القانون بالمعنى الخاص
2- مفهوم علم الاجتمـاع
ب – نشأة العلوم الاجتماعية
1- تاريخ القانـون
2- نشأة علم الاجتمـاع
ثانيا ــ مضمون علاقة القانون بعلم الاجتماع
أ – أهداف و ضرورة العلوم الاجتماعية المدروسة
1 – أهداف العلوم الاجتماعية
1- 1 أهداف القانون
1- 2 أهداف علم الاجتماع
2 – ضرورة العلوم القانونية والاجتماعية داخل المنظومة المجتمعية
2- 1 أهمية علم القانون
2- 2 أهمية علم الاجتماع
ب – التداخل بين العلوم القانونية و العلوم الاجتماعية
1- 1 مفهوم العلوم القانونية و مناهجها
1- 2 القانون و علم الاجتماع ( سوسيولوجيا القانون)
خاتمــة
القانون و علم الاجتماع، مقاربة منهجية
” القليل من القانون يبعدنا عن علم الاجتماع،
و لكن الكثير منه يعود بنا إلى علم الاجتماع ”
جورج جورفيتش
مقدمـة
بدأت محاولات الإنسان في فهم نفسه وعلاقاته مع الآخرين داخل إطار مجتمعه، متأخرة مقارنة مع محاولاته لفهم الطبيعة والسيطرة على العالم الطبيعي.
لقد أصبحت الحاجة ضرورية إلى العلوم الاجتماعية في عصرنا، بعد أن تزايدت سرعة التغييرات الاجتماعية، واتسعت المعرفة الإنسانية. ونتيجة لذلك، تزايد الاهتمام العالمي بالعلوم الاجتماعية، والتي ترتكز على دراسة المجتمع الإنساني وبنائه ووظائفه وعوامل تطوره أو انحداره، والعلاقات بين الأفراد والجماعات، فبعدما تأكدت أهمية هذه العلوم عند محاولة معالجة شؤون الحياة الاجتماعية، وتأكدت أن الإصلاح لن يتحقق بالطريقة المثلى إلا إذا تم على أساس فهم علمي للمجتمع الإنساني، ومن هنا نشأت الحاجة إل علم الاجتماع و القانون وغيرهما من العلوم الاجتماعية.
وما يجب التنبيه إليه في هذا الباب، أن العلوم الاجتماعية تختلف عن العلوم الطبيعية أو العلوم الحقيقية كالفيزياء، والرياضيات، والطب … و غيرها، ذلك أن العلوم الحقيقية تهتم بنفس الموضوعات، ونفس القضايا الأساسية في العلم الطبيعي في جميع المجتمعات، لكن هذا الأمر يصبح مستحيلا في العلوم الاجتماعية، حيث تختلف القضايا الأساسية الخاصة بنشاط الناس في المجتمع الرأسمالي، عنها في المجتمع الاشتراكي مثلا، مثلما تختلف القوانين التي تنظم علاقات الناس في الصين، عن القواعد التي تنظم نفس العلاقات في المغرب على سبيل المثال.
وعلى الرغم من أن القانون وعلم الاجتماع ينتميان إلى فروع العلوم الاجتماعية، إلا أن كل واحد منها يعد علما خاصا قائما بذاته، حيث تدرس العلوم القانونية في جامعات الحقوق، ويدرس علم الاجتماع في جامعات العلوم الإنسانية. كما أن البحوث القانونية تختلف تمام الاختلاف على البحوث في علم الاجتماع، من هنا يطرح التساؤل عن طبيعة العلاقة التي تربط بين كلا العلمين باعتبارهما علمان اجتماعيان؟
للإجابة على هذا التساؤل سيتم تقسيم هذا البحث إلى نقطتين اثنين تتناول الأولى، مفهوم العلوم الاجتماعية، وسنقتصر هنا على دراسة القانون وعلم الاجتماع، ثم العلاقة التي تربط علم الاجتماع بالقانون في نقطة ثانية.
أولا ـ مفهـوم العلـوم الاجتماعية
تعنى العلوم الاجتماعية بدراسة الظواهر الاجتماعية التي يعيشها المجتمع، والتي تكون المادة الدسمة لهذه الدراسات، لهذا وجب إعطاء أولا تعريف واضح للقانون وعلم الاجتماع، ثم ثانيا استقصاء ظروف نشأتهما.
أ ـ مفهـوم القـانـون وعـلم الاجتمــاع
لكي نضع القارئ في الصورة الصحيحة المستهدفة من هذا البحث، كان لزاما أن نعطي تحديدا واضحا، وتعريفا للقانون ولعلم الاجتماع.
1 ـ مفهـوم عـلم القانـون
لكي نصل إلى تعريف للقانون، يجب أن نميز في نطاق القانون الوضعي بين القانون بمعناه العام والقانون بمعناه الخاص .
1-1 القانون بمعناه العام
لقد أعطيت تعاريف متعددة للقانون فهناك من عرفه بأنه: “مجموعة من القواعد العامة الملزمة التي تنظم علاقات الأفراد تنظيما ملزما مقرونا بتهديد الجزاء المفروض لمخالفتها”.
وهناك من عرفه بكونه “مجموعة القواعد التي يحتكم إليها الأفراد والجماعات في علاقاتهم الودية، أو في منازعاتهم وخصوماتهم”.
كما عرفه المفكر الاقتصادي الفرنسي كلود فريدريك باستيا، بأن القانون هو “تنظيم الحق الطبيعي في الدفاع الشرعي عن النفس، إنه حلول القوة الجماعية محل القوى الفردية، لكي تتصرف حيث يحق لهذه الأخيرة أن تتصرف، لكي تقوم بما يحق لها أن تقوم به، حتى تضمن الأشخاص والحريات والأملاك، لكي تثبت لكل فرد في حدود حقه، لكي تبسط سلطان العدل على الجميع.
من خلال هذه التعاريف فإن فكرة القانون أو القانون في حد ذاته يتميز بكونه، من منظور العلوم الاجتماعية، ظاهرة اجتماعية يتلازم وجوده مع ضرورة وجود مجتمع وسلطة سياسية حاكمة تدعم وتفرض الجزاء على المخلين بالقانون.
2 القانون بمعناه الخاص
يقصد بالقانون بمعناه الخاص، ودائما في نطاق القانون الوضعي، قاعدة أو مجموعة من القواعد تضعها السلطة التشريعية في مكان وزمن معينين، تطبق داخل الإقليم الترابي لبلد ما فيقال مثلا: القانون المغربي، القانون البلجيكي، القانون التونسي ….
كما يطلق لفظ القانون على مجموعة معينة من القواعد التي تنظم نوعا محددا من العلاقات الإنسانية، أو تمثل فرعا معينا من فروع الدراسات القانونية فيقال مثلا قانون الأسرة، القانون المدني، قانون الشغل … إلخ.
ويطلق أيضا لفظ القانون على مجموعة من القواعد القانونية التي تصدرها السلطة التشريعية لتنظيم أمر معين أو مهنة محددة، فيقال قانون المحاماة، أو القانون المتعلق بمزاولة مهنة الطب مثلا.
وما يعنينا في هذه الدراسة هو مفهوم القانون بمعناه العام باعتباره قواعد ملزمة صادرة عن إدارة الدولة، وتحكم العلاقات بين الأفراد والجماعات، وتنظم مختلف مناحي الحياة في مجتمع معين.
إذن فالقانون هو ذلك الفرع من الدراسات الذي يهدف إلى التعريف بالقاعدة القانونية وبيان خصائصها التي تميزها عن باقي القواعد الأخرى، وشرح مبادئها وأفكارها.
ويتعين التمييز هنا بين القانون وعلم القانون. يرى “كلسن” أن القانون ما هو إلا مجموعة من القواعد النموذجية للسلوك الإنساني، وأما علم القانون فيتناول شرح هذه القواعد , فلسفيا أو اجتماعيا أو تاريخيا أو مقارنة. ومن شروط وجود هذا العلم أن يكون القانون ساري المفعول، ومعترفا به في دولة ما، إذ أن هذه السلطة الشرعية والمشروعية للقانون هي الأسس التي تجعل دراسته ممكنة أي تمكن من قيام علم القانون أو العلوم القانونية.
2 ـ مفهـوم عـلم الاجتمـاع
لدى غير المتخصصين في علم الاجتماع، الذين يبدون اهتماما معينا بالقضايا الاجتماعية، فكرة عن علم الاجتماع، إلا أنها قد تتباين في درجة وضوحها أو غموضها، ومن بين غير المتخصصين في هذا العلم دارسي العلوم القانونية، ولهذا فإن دارس القانون يجد صعوبة في تقديم تعريف كاف لعلم الاجتماع.
وتعريف علم الاجتماع ليس بالأمر السهل، نظرا لتعدد واختلاف التعاريف التي يضعها المتخصصون أنفسهم، وبناء عليه سوف نحاول ذكر أكثر التعاريف انتشارا لعلم الاجتماع.
ذهب البعض إلى تعريف علم الاجتماع، بأنه علم اجتماعي ينصب اهتمامه الرئيسي على دراسة النظم الاجتماعية، التي تختلف بفعل التحولات الصناعية التي حدثت إبان القرنين أو الثلاثة الماضية
كما ذهب البعض الآخر إلى اعتبار علم الاجتماع هو ذلك العلم الذي يهدف إلى فهم الفعل الاجتماعي بطريقة شارحة، ويفسر بذلك أسبابه في تتابعه وتأثيراته.
ويعرف ‘’أدرنو’’ علم الاجتماع بأنه الإطلاع على المجتمع، الإطلاع على ما هو جوهري في المجتمع، الإطلاع على ما هو كائن بالمعنى الذي يكون فيه هذا الإطلاع أو الإدراك نقديا، بحيث يقاس ما هو حقيقة اجتماعية بما يطمح أن يكون عليه هذا الإدراك، وبحيث يتمكن في الوقت ذاته من تلمس إمكانية التعبير المحتملة للقانون الاجتماعي الكلي.
وقد عرفه أوجست كونت، بأنه العلم الذي يهتم بدراسة البناء الاجتماعي وما به من مؤسسات.
وفي إطار التعريفات الحديثة التي أعطيت لعلم الاجتماع، سوف نستقي بعض الأمثلة من المؤلفات الحديثة لهذا العلم.
يعرف ‘’ جيمس فاندر زاندن’’ علم الاجتماع بأنه علم دراسة السلوك الإنساني في تأثيراته المتبادلة التي يمارسها الأفراد في علاقاتهم، فهو لا يهتم بما يجري في نفس الفرد ودخائله .
وأعطيت لعلم الاجتماع تعاريف أخرى، من قبل أنه العلم الذي يدرس النظام الاجتماعي، وأنه العلم الذي يدرس سلوك الكائنات الإنسانية، وأنه العلم الذي يعنى بالدراسة العلمية لأنماط الحياة الاجتماعية الإنسانية.
كما عرفه آخرون بكونه علم دراسة الظواهر الاجتماعية أو النظم الاجتماعية أو الإنسان في علاقته بالبيئة والمجتمع والثقافة وغير ذلك.
إن اختلاف وتباين هذه التعاريف يجعل الرؤيا غير واضحة تماما حول مفهوم علم الاجتماع، هنا يطرح الدكتورة محمد عودة تفسيرا لهذا التباين يستند إلى سببين:
سببين:
- أولهما : هو اختلاف المواقف النظرية والفكرية التي ينطلق منها التعريف، وتفاوت تقاربها أو تباعدها، لأن علم الاجتماع يرتبط أشد الارتباط بالواقع الاجتماعي بوصفه موضوع دراسته.
- ثانيهما : هو أن معظم هذه التعاريف قد توجهت إلى تعاريف المجهول بالمجهول، مع أن المنطق السليم يفرض تعريف المجهول بالمعلوم، بمعنى أنها تعرف علم الاجتماع من خلال مفاهيم لا يستطيع أن تعرفها إلا من خلال علم الاجتماع ذاته.
قد تكون هذه التعاريف جامعة نوعا ما، لكنها ليست مانعة في ذات الوقت، . ولا ينبغي أن تظللنا التعريفات الغامضة العديدة لعلم الاجتماع وتقودنا للاعتقاد أن موضوع علم الاجتماع غير محدد، وفي الحقيقة فإن التعريفات المختلفة لعلم الاجتماع، باعتباره العلم الذي يدرس المجتمع أو السلوك الإنساني أو الأنظمة الاجتماعية، كلها تؤكد طريقة علم الاجتماع لفهم ودراسة السلوك الاجتماعي، والتي لا يستطيع أي علم آخر أن يقوم بها.
ب – نشـأة العلـوم الاجتماعيـة
لمعرفة طبيعة أي علم وسبر أغواره، لابد من النظر في تطوره عبر التاريخ، فتاريخ العلوم هو مجال يعنى بوصف وتقويم حركة العلم عبر مراحله التاريخية المتعاقبة، للوقوف على تقدمه أو تعثره من جوانب عدة.
وتتضح أهمية تاريخ العلم في صياغة نظريته العامة وفلسفة متماثلة، حيث يستحيل انفصال العلم عن تاريخه باعتباره عملية ممتدة خلال الزمان، ولهذا سوف نعطي لمحة موجزة عن تاريخ العلوم الاجتماعية (القانون وعلم الاجتماع).
1 ـ تـاريخ القـانــون
الواقع أن القانون قديم قدم المجتمع، ولكن دون أن يعني ذلك، أن القانون في المجتمعات القديمة يشبه الصورة الحالية للقانون، بل فالغالب أنه كان بدائيا ولم يكن مكتوبا، فلا يجب الاعتقاد أن القانون يرادف دائما مجموعة من القواعد المكتوبة، فالقانون استمد شرعيته الأولى من السلطة الأبوية داخل الأسرة، ومع توسع التجمعات البشرية تخلى أرباب الأسر عن جزء من سلطاتهم لزعيم القبيلة الذي يتولى مهمة الدفاع عن كافة أفراد القبيلة ضد أي اعتداء أجنبي، باستخدام القوة و العنف، و مع تطور المجتمعات بدأت هذه القبائل الصغيرة تتجمع وتتمركز، وبدأ السلام يحل محل العنف بفضل اعتماد قوانين جديدة ترتكز على التحكيم والتصالح بين العشائر، ثم مع تطور الجماعة بدأ ظهور المعالم الأولى للدولة، حيث أصبحت السلطة الحاكمة هي من يختص بتنظيم العلاقات بين الأفراد ساحبة بذلك سلطات رب الأسرة وزعيم العشيرة في فرض القوانين.
ومع تطور المجتمعات وظهور الكتابة، بدأت الأعراف والتقاليد والقواعد ذات الأصل الديني توثق في دواوين معينة، وشيئا فشيئا أصبحت تلك القواعد تجمع في سجلات رسمية، فكانت بداية التقنين.
وقد ظهرت القوانين المدونة محفورة في الألواح الطينية أو على الحجر لأول مرة حوالي 4000 أو 3000 سنة قبل الميلاد في الشرق الأوسط، وقد استخدمها الحكام للإعلان عن انتصاراتهم في الحروب والتزاماتهم بالعدالة، وتعد أقدم القوانين التي وصلتنا منها بعض الأجزاء:
بعض الأجزاء:
- تقنين أرمانو: في العراق حوالي 2111 قبل الميلاد، وهو أقدم تقنين عرفه الإنسان يشتمل على مقدمة و31 مادة.
- تقنين البت عشتر: في العراق كذلك حوالي 1924 قبل الميلاد تضمن مقدمة و39 مادة.
- قوانين إشونا: في العراق حوالي 1900 قبل الميلاد.
- قوانين حمورابي: حوالي 1750 قبل الميلاد.
وتعتبر شريعة حمورابي أول شريعة مكتوبة في التاريخ البشري التي وصفت بأنها متكاملة وشمولية لكل نواحي الحياة في بابل، فقد تضمنت ما يقارب 300 فقرة.
وبعد قانون حمورابي، تتالت مجموعة من القوانين التي مثلت حضارات شرقية وغربية من بينها:
- قانون أو مدونة دراكون: التي صدرت في أثينا ببلاد الإغريق القديمة في عهد حاكمها دراكون سنة 621 قبل الميلاد.
- قانون صولون: وهو من حكام أثينا سنة 594 قبل الميلاد.
- قانون الألواح الإثني عشر: التي تميزت بشدة وقسوة موادها وهي تمثل رمز عظمة الإمبراطورية الرومانية صدرت في روما عام 451 قبل الميلاد.
وما يميز القواعد القانونية في العصور القديمة، أنها كانت جزئية انفرادية وشخصية في بدايتها، حيث كل حاكم يبتدع من الحلول ما يراه مناسبا عندما يطرح نزاع ما، ولم تعرف القواعد القانونية بعض الاستقرار إلا مع نشوء الدولة، والتي كانت تسن القواعد القانونية بصفة مسبقة، وبهذا فإن القاعدة القانونية لم تتوقف أبدا عن التطور مسايرة بذلك كل المستجدات التي تظهر عبر العصور، وهي مازالت في نماء مستمر، باعتبارها مجموعة من الضوابط التي يتفق عليها مجتمع ما، في مكان وزمان محددين، ويطبقها على العلاقات الفردية والاجتماعية.
ويشكل تاريخ القانون محورا أساسيا في الدراسات العلمية القانونية، فوسط الصراع الفلسفي القائم بين أنصار مدرسة القانون الطبيعي ومدرسة القانون الوضعي، ظهرت ما بين القرن 6 – 14 م في ألمانيا مدرسة جديدة عرفت باسم المدرسة التاريخية للقانون، ويرى أتباع هذا التيار، أن دراسة القانون في التاريخ هي السبيل الوحيد لإدراك سر ظهور القوانين، و السبب الحقيقي لوجودها.
2 ـ نشـأة عـلم الاجتمـاع
ظهر علم الاجتماع إلى الوجود، حينما حاول أولائك الذين تأثروا بالتغيرات الأولية، التي نجمت عن الثورتين العظيمتين في أوروبا، فهم ظروف تلك التغيرات وما قد يترتب على حدوثها من نتائج، فتاريخ علم الاجتماع كعلم مستقل له حدود واضحة لا تزيد عن قرنين على الأكثر، ولكن هل يعني هذا أن البشرية لم تهتم بالحياة الاجتماعية إلا منذ هذا التاريخ القريب؟
من المستحيل بطبيعة الحال، أن نحدد بدقة الأصول الأولى لأي ميدان من ميادين العلم، لكننا نستطيع أن نتتبع بعض الخيوط المباشرة من بعض الكتاب، وصولا إلى المراحل الأخيرة للفكر الاجتماعي.
2 – 1 ملامح التفكير الاجتماعي عبر العصور
الواقع، أن البشر قد انتبهوا منذ ألاف السنين، إلى العديد من الموضوعات والقضايا التي يدرسها علم الاجتماع حاليا، إلا أنه قبل القرن 18 لم يكن هناك علم اجتماع بالمعنى الموجود حاليا، فقد كان أهم ما يميز التفكير الاجتماعي في العصور السابقة (عند الحضارات الشرقية حوالي 4000 سنة قبل الميلاد، وحضارات مصر القديمة 3000 سنة قبل الميلاد، والحضارة اليونانية والإغريقية في القرنين 4 و 5 قبل الميلاد والحضارة الرومانية والحضارة الإسلامية). أنه لم يكتسي طابعا منظما، ولم يكن نابعا أو ناتجا عن دراسة مسبقة ومقصودة، وإنما كان يمثل مجرد انعكاس لظروف معينة لشخص ما.
لقد عرفت الحضارة اليونانية طفرة في التفكير الاجتماعي بظهور الفلسفة والفلاسفة، وأصبح الفكر الاجتماعي اليوناني أول تفكير منظم عن المجتمع الإنساني.
وفي الحضارة الإغريقية والتي تميزت بظهور مجموعة من المدارس الفلسفية كمدرسة السفسطائيين، ومدرسة آرسطو، ومدرسة أفلاطون، وخلال هذه الفترة كانت الروابط الدينية هي ما يربط ما بين المدن الإغريقية وتوحد بينهما. وقد أتاح وجود المجتمعات المختلفة في المدن الإغريقية، ظهور الرواد الأوائل لعلم الاجتماع الذي يمثلون المدارس الفلسفية السالفة الذكر، والتي انبعثت منها فيما بعد جميع المدارس السياسية والاجتماعية.
أما في مصر القد يمة –مصر الفرعونية- فقد كانت الحياة الاجتماعية مصطبغة بالصبغة الدينية وكان للمفكرين القدامى من الكهنة المصريين أثر كبير في مجال أحد فروع علم الاجتماع، وهو علم الاجتماع الديني، حيث اعتبر المصريون أن ضمير الإنسان وقلبه إلاهه الخاص، وإن رضي قلب الإنسان عن ما يعمله يلتحق بمرتبة الآلهة.
الهند القديمة:
وفي الهند القديمة، أحدث بوذا ثورة اجتماعية قلبت الأوضاع في المجتمع الهندي القديم رأسا على عقب، فالفكر البوذي حارب نظام الطوائف، حيث قضى على طبقة البراهمة أو الكهنة، ورجال الدين الذين كانوا يتمتعون بحضور ونفوذ كبيرين، ونادى بالمساواة بين جميع أفراد المجتمع وبين جميع أفراد الطبقات، ولا فرق بين الثري والفقير إلا بالجهاد في سبيل تحقيق التقشف والزهد في الحياة.
ولم تأت الحضارة الرمانية بجديد بالنسبة للمفهوم الأصلي لعلم الاجتماع، ولكن الفكر الروماني أدى دورا كبيرا في علم الاجتماع الوصفي، وقد أتاحت فتوحهم الفرصة لدراسة عادات البلاد الأخرى ومنظوماتها.
وقد كرس الرومان جهودهم للتفكير القانوني، لذلك لم ينشغلوا بالتفكير الفلسفي الاجتماعي، واعتمدوا على الفلسفة اليونانية وكيفوها بالشكل الذي يتناسب مع ظروفهم، من أجل أن تخدمهم في تطوير القانون.
الحضارة الإسلامية
وفي الحضارة الإسلامية، فقد برز في العصور الوسطى العالم ابن خلدون الذي اتخذ من التاريخ علما يدرس لا رواية تدون فقط، وقد درس التاريخ على ضوء طريقة جديدة من الشرح والتحليل، فانتهى به التأمل والدرس إلى وضع نوع من الفلسفة الاجتماعية.
وينظر ابن خلدون إلى المجتمع في أفق شاسع جدا، حيث يجعل من المجتمع الإنساني كله وما يعرض له من الظواهر الطبيعية، مادة لتأمله. ويحاول أن يتبع هذا المجتمع بالدرس والتحليل في جميع أطواره، منذ نشأته وبدايته، وتردده بين الضعف والقوة، والفتوه والشيخوخة، والنهوض والسقوط، ويستقصي من خلال ذلك أحوال هذا المجتمع وعناصر تكوينه وتنظيمه، من الفرد والجماعة إلى السلطان والدولة، وما تقتضيه سلامة هذا المجتمع وما يؤدي إلى فساده وانحلاله.
وفي الحقيقة، يرجع النجاح الذي أحرزه الفكر الاجتماعي العربي ونظرياته الاجتماعية في القرن 14، إلى المفكر ابن خلدون الذي ابتدع العمران البشري والقوانين المنظمة للحياة وتطور المجتمع، حيث كان أول من نادى بضرورة قيام علم لدراسة المجتمع سماه “علم العمران”.
2 – 2 ظهور علم الاجتماع وتطوره
يرى العديد من الباحثين، أن ابن خلدون هو المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع على مستوى العالم. ورغم من أن التفكير الاجتماعي قديم قدم الإنسان نفسه، إلا أن الاجتماع الإنساني لم يصبح موضوعا للعلم إلا في فترة لاحقة، حيث كان ابن خلدون أول من نبه إلى وجود هذا العلم. إلا أن أوجيست كونت وهو عالم اجتماع فرنسي، هو أول من استخدم كلمة علم الاجتماع Sociologie ، وذلك سنة 1839، فهو أول من أطلق هذا الإسم على هذا الفرع الجديد من العلوم، وقد حدد الظواهر الاجتماعية كموضوع لدراسة هذا العلم، بهدف التواصل إلى القوانين التي تحكم هذه الظواهر في نشأتها وتطورها.
لقد هيأت الأحداث المعاصرة الظروف للبحث، بل و فرضت البحث على أسباب مشكلات المجتمعات، وساعدت على النظر إلى قضايا المجتمع نظرة نقدية، فعلى امتداد قرنين فقط، وقعت طائفة من التغييرات الاجتماعية الكاسحة في أوروبا، والتي امتد مداها وتأثيرها ليشمل العالم أجمع، أدت إلى تفكيك أشكال التنظيم الاجتماعي التي عاشت في ظلها البشرية ألافا من السنين، وتكمن بؤرة هذه التغييرات في الثورتين اللتين شهدتهما أوروبا في القرنين 18 و19، مما أدى إلى خلق مناخ مواتي للتغيير السياسي الذي يعد من القوى المحركة للتاريخ الحديث،
فقد شهد أواخر القرن 18 انتصارا ساحقا لأراء وأفكار الفلاسفة الطبيعيين وعلماء الاقتصاد المتحررين، وقد صاحب هذه الفكرة نمو في الثروات وفي الإنتاج لم تعهده الإنسانية من قبل، وبذلك نستطيع أن نقول بأن علم الاجتماع بكافة فروعه واتجاهاته قد تطور استجابة للتطورات والمشكلات الاجتماعية في مرحلة الانتقال من النظام القديم إلى النظام الجديد، وعلم الاجتماع الغربي هذا هو الذي كتب له الاستمرار والسيطرة كنظام فكري وعلمي، بحكم ارتباطه بالحضارة المسيطرة، ولهذا فقد أصبح علم الاجتماع كما أسسه “أوجيست كونت”، عالميا وفرض نفسه على الساحة كما فرضت الحضارة الغربية سلطاتها على العالم.
ثانيــا ـ مضمون علاقة القانون بعلم الاجتماع
لكي نعرف العلاقة التي تربط بين العلمين فإنه يجب النظر إلى الأهداف التي يسعى كلا العلمين لتحقيقها، وأهميته، وإلى المناهج المعتمدة في دراسة كل علم، ثم بعد ذلك سيتم توضيح وتحديد الروابط التي تجمع القانون وعلم الاجتماع من خلال كشف التداخل الحاصل بين العلوم القانونية و العلوم الاجتماعية.
أ ـ أهداف و ضرورة العلوم الاجتماعية
و سوف نركز على القانون وعلم الاجتماع فقط.
1 ـ أهداف العلوم الاجتماعية
إن الهدف الجوهري لكافة العلوم الاجتماعية هو إنتاج معرفة تراكمية قابلة للتحقيق، بحيث تمكننا هذه المعرفة من تفسير وفهم الظواهر التجريبية والتنبؤ بها، كما يمكن أن تستخدم المعرفة ذات المصداقية في تحسين ظروف الإنسان.
1 – 1 أهداف القانون
أهداف القانون عديدة، وتهتم جميعها بالعمل على استقرار المجتمع وسعادة الناس، وهناك من يختصر أهداف القانون في هدفين اثنين:
هدف خاص: أساسه حماية حرية الأفراد وتأمين سلامتهم، عن طريق وضع قواعد ثابتة تكفل تنظيم العلاقات بين الأفراد على أساس من الحرية والمساواة، وتراعي ظروف المجتمع وعاداته وتقاليده ومعتقداته، وما يتطلع إليه من مبادئ سامية، وما يطمع إليه من آمال، ونتيجة لذلك يشكل القانون مرآة للبيئة المجتمعية التي يحيى فيها الفرد.
وهدف عام: محوره تطوير المجتمع ككل وازدهاره وتوفير أسباب نموه والحفاظ على كرامته.
والمقصود بالمجتمع في هذا الإطار، باعتباره مجالا لتطبيق القواعد القانونية، هو المجتمع الحديث أي المجتمع السياسي المنظم، يخضع أفراده لسيادة سلطة عامة تفرض احترام القانون.
وهناك من يعتبر أن للقانون أهدافا متعددة، تهتم جميعها بالعمل على استقرار المجتمع، وسعادة الناس، وتتمثل هذه الأهداف في:
- إرساء إطار رسمي من الإلزام يمكن الناس من العيش على نحو أكثر أمانا.
- توفير التسهيلات لتنظيم حياتهم، بتدخل الدولة إذا لزم الأمر لوضع حدود معينة في المعاملات التي يجريها الأفراد.
- تسوية الخلافات بين الأفراد، وفي الأحوال التي يتم فيها الإخلال بالقانون.
- تقرير ما يكون عليه نظام الحكم في إقليم معين وتنظيم السلطات داخله.
1 – 2 أهداف علم الاجتماع
يعتبر “فون فيز von wiese” أن الموضوع الرئيسي لعلم الاجتماع هو دراسة شبكة المسافات أو الأبعاد الاجتماعية التي توجد بين أفراد المجتمع، والتي تعبر عن مدى التقارب والتوافق الاجتماعي بين الأفراد، أو تعبر عن مدى التباعد والتنافر والتصادم بينهم، وقد اعتبر ريني ورمز René worms أن علم الاجتماع كرس نفسه ليظل فلسفة على نطاق واسع لعدة علوم اجتماعية، لأنه يعتبر مقدمة وخاتمة مشتركة لمجموعة من العلوم الاجتماعية.
و يمكن تلخيص أهداف علم الاجتماع في :
– دراسة الأنظمة الاجتماعية والعناصر المستندة لها ووظائفها؛
– دراسة الظروف التي تطورت فيها بعض التنظيمات الاجتماعية؛
– مقارنة النتائج التي حصلنا عليها عن طريق العلوم الاجتماعية الخاصة؛
– دراسة الاتصالات بين هياكل المجتمعات والأنماط العقلية للأفراد الذين يكونون هذه المجتمعات؛
– دراسة العوامل التي تساعد على حدوث تغيرات في الأنظمة الاجتماعية.
ويرى البعض أن دور علم الاجتماع ينحصر في التحليل والتفسير، واستخلاص بعض وجهات النظر، أو قوانين عامة من حصيلة العلوم الأخرى بقدر الإمكان. بمعنى أن هدفه هو إقامة تصنيف وإعداد مسلمات ملموسة، وحقائق تنسب إليه عن طريق العلوم الاجتماعية الأخرى، وبمعنى آخر يجمع بين جميع العلوم الاجتماعية الأخرى وفروضها وأبحاثها واكتشافاتها.
2 ـ ضرورة العلوم الاجتماعية داخل المنظومة المجتمعية
تعد الدراسات والبحوث العلمية أحد المقومات الأساسية للحضارة والتطور، باعتبارها الوسيلة التي يتخذها الإنسان لإعمال العقل والحواس وجميع الملكات، لفهم حقيقة الظواهر الطبيعية والاجتماعية التي تحدث من حوله، من أجل تسخيرها لخدمته.
والدراسات العلمية هي من ساهمت في إخراج البشرية من الظلمات إلى النور، وإبعادها عن شبح الخرافات التي كانت تسيطر عليها، وقد أخذت الدراسات العلمية أهميتها في العصر الحديث، حيث اعتمد الإنسان في تفكيره على الأسلوب العلمي في مختلف مجالات العلوم، والتي من بينها العلوم القانونية والعلوم الاجتماعية.
1 – ضرورة القانون
تستقي الدراسات القانونية أهميتها من أهمية العلم نفسه، ولهذا كان لابد لإبراز أهمية القانون من طرح التساؤل التالي:
هل يمكن أن يوجد مجتمع يتصف بالانسجام على نحو لا يحتاج إلى سن القوانين وفرض احترامها ؟
إنه حتى في المجتمعات التي لا تعرف الطبقية بحدة، لا يخلو الأمر من وجود أفراد أنانيين بها، كما يختلف أرقى المفكرين في اعتباراتهم للأخلاقيات والواجبات، لذلك تنشأ الحاجة لوجود ما يقرر الصالح من الطالح، والمسموح من الممنوع.
إن الحاجة لوجود قانون تتمثل في الحاجة إلى توجيه أفعال المجتمع،وضمان استقرار الترتيبات الخاصة ما بين الناس، ووضع قيود على استخدام الحكام لسلطاتهم والأفراد لصلاحيتهم.فالقانون ضرورة اجتماعية وسياسية، يرتبط وجوده بصون حريات الأفراد ومصالحهم الخاصة، والحفاظ على أمنهم، وحماية أنفسهم وأموالهم، وتحقيق الأمن والسلام الاجتماعيين، وبصفة عامة تحقيق العدالة الاجتماعية، التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالتوصل إلى الحقيقة التي هي جوهر العدالة، ولا سبيل للوصول إلى الحقيقة إلا عن طريق الدراسات العلمية، والتي بواسطتها يمكن الكشف عن حقيقة الأسباب الكامنة وراء المشكلات القانونية، ليتاح بالتالي التوصل إلى الحل القانوني المناسب لها.
2 – ضـرورة علم الاجتمـاع
إن دراسة المجتمع الإنساني وبنائه ووظائفه، وعوامل تغيره والعلاقات بين أفراده، والتفاعل بين جماعاته ونظمه المختلفة تشكل أهمية بالغة، فقد تأكد للجميع أهمية علم الاجتماع، وتأكدت أيضا حتمية الاستنارة والاسترشاد بالعلم عند معالجة شؤون الحياة الاجتماعية، وأن الإصلاح الاجتماعي، لن تتحقق فاعليته، إلا إذا تم على أساس فهم علمي للمجتمع الإنساني، ومن هنا نشأت الحاجة إلى علم الاجتماع.
وتكمن أهمية علم الاجتماع، بالإضافة إلى ذلك، في كونه قد نشأ كرد فعل واستجابة للأزمات والمشكلات الاجتماعية التي كان يمر بها المجتمع الغربي، خلال مرحلة الانتقال من النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي الجديد، وهي المرحلة التي واكبت الثورة الصناعية، التي صاحب ولادتها حالة من الفوضى وانهيار النظام الاجتماعي القديم.
ب ـ التداخل بين العلوم القانونية و العلوم الاجتماعية
تعتبر العلوم القانونية فرعا مهما من العلوم الاجتماعية، و ترتبط بها ارتباطا وثيقا، يتجلى في كافة مجالات الحياة الاجتماعية. فالظاهرة القانونية هي ظاهرة اجتماعية، و ليست ظاهرة منعزلة عن المجتمع، و العلوم القانونية بمختلف تخصصاتها، كالقانون الوضعي، و سوسيولوجيا القانون، و تاريخ القانون، و فلسفة القانون، و القانون المقارن… و غيرها ترتبط فيما بينها بروابط وثيقة، بل أكثر من ذلك فهي مرتبطة بالظاهرة الاجتماعية في عمومها، و تتفاعل معها، و لهذا ارتأينا إلقاء نظرة عن فروع العلوم القانونية في نقطة أولى، قبل أن نوضح علاقة القانون بعلم الاجتماع، في نقطة ثانية.
1 – العلوم القانونية
يتعين التأكيد على أن القانون لا يعني بها القانون الوضعي فقط، و إنما هي مجموعة مواد أو تخصصات قانونية التي تدور في فلك ما يعرف بالعلوم القانونية، و التي سنعمل على تعريفها و توضيح معناها، إلا أننا سنقتصر على ذكر فروع العلوم القانونية التالية: وهي تشمل، علاوة على علم الاجتماع القانوني، فلسفة القانون، و تاريخ القانون، و القانون المقــارن..
أ – فلسفة القانـون :
وهي تدرس القانون بشكل عام، كفكرة عقلية كلية مجردة، في ماهيته و أهدافه البعيدة، و لا تهتم بواقع القواعد القانونية، فهي تركز على مصدر القانون و مصيره من الناحية المجردة بغض النظر عن واقعه و موطنه.
وقد يبدو أن فلسفة القانون تتسم بالذاتية، حيث تهتم بالدرجة الأولى بالنقد و إصدار أحكام القيمة على القوانين الموجودة، و تعني الذاتية هنا أن كل فيلسوف أو فيلسوف القانون يتبنى آراء شخصية، تجعل أفكاره تتطبع بطابع ذاتي. وحيث إن المنهج المعتمد هو المنهج الفلسفي القائم على إعمال العقل و الفكر عن طريق البحث التأملي التجريدي.
لكن الملاحظ أنه على مستوى المدارس يتكتل الفكر الفلسفي عادة في مدارس فلسفية ويبرز برؤيا شمولية. وهنا نجد في نطاق الفلسفة الواقعية أن المدرسة الاجتماعية للقانون تتجاوز المدرسة الوضعية للقانون، وتعطي بعدا ماديا وتتبنى معيارا ملموسا وموضوعيا للقانون لتخطي مرحلة العدالة القانونية المجردة والسعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية الملموسة.
ب – تاريخ القانـون
يهتم تاريخ القانون بالظواهر الإنسانية، و بدراسة الإنسان ككائن اجتماعي، و يعد مجال دراسة تاريخ القانون، من المجالات المحددة التي لا تتعدى الأنظمة و المؤسسات القانونية في الماضي، و ما تطرحه من إمكانية دراسة تطورها و مقارنتها في الزمان، و مدى تأثير القانون القديم على الحاضر، و الصيرورة التاريخية التي عرفتها الأنظمة القانونية، و من أمثلة ذلك مقارنة القوانين الاجتماعية السائدة قبل الثورة الصناعية و القوانين المطبقة بعدها، بهدف الكشف عن الفوارق بينها، ومدى تأثير الثورة الصناعية على تحسين القوانين الاجتماعية.
ودراسة تاريخ القانون، هي دراسة النظام القانوني من الخارج بطريقة موضوعية، حيث لا يشارك دارس تاريخ القانون في هذا القانون و لا يعتبر فاعلا فيه، و دائما توجد مسافة زمنية بينه و بين النظام القانوني الذي يؤرخ له.
ج – القانون المقارن :
ويهتم بمقارنة القوانين من حيث المكان بغض النظر عن اختلافها و تمايزها، كمقارنة قانون دولة معينة مع دولة أخرى، أو مقارنة فرع من القانون لدولة معينة مع نفس الفرع لدى دولة ثانية.
إن القانون المقارن يعتمد على المنهج المقارن في دراسة القانون. و يسلم فقهاء القانون بأهمية الاستفادة من القوانين الأجنبية، عن طريق المقارنة بينها و بين القوانين الوطنية، خصوصا للدول المتقدمة أو التي أعطت قوانينها في مجال ما أكلها و النتائج المرجوة منها. فالقانون المقارن يهدف إلى تحسين النظام القانوني عبر الاستفادة من اختلاف الأنظمة القانونية، كما يشكل مصدرا للمعلومات حول أنظمة قانونية مختلفة تنحصر فقط فيما هو قانوني و لا تمتد إلى ما هو سوسيولوجي. مع الإشارة إلى أن القانون المقارن ذو طبيعة مزدوجة : فهو طريقة مقارنة ومادة مستقلة لها وظائف معينة
يضاف ذلك أن الفروع الاجتماعية – القانونية الأخرى، هي التي تكون مجتمعة ما يطلق عليه بالعلوم القانونية. ومن ثم فإن القانون، أو ما يصطلح عليه عادة بالقانون الوضعي، ما هو إلا فرع من العلوم القانونية، يعتمد على منهج تحليلي خاص، يركز على تفسير النصوص التشريعية و وضعها في تناسق منهجي، و تبيان كيفية تطبيقها حسب ما قصده المشرع منها. فالقانون الوضعي يركز بالدرجة الأولى، على دراسة القواعد القانونية في حد ذاتها أي كقواعد، بخلاف العلوم القانونية التي تعرف تعدد و تنوع المناهج المعتمد عليها. فلدراسة العلوم القانونية يمكننا الاعتماد بالإضافة للمنهج التحليلي على المنهج التاريخي، و المنهج المقارن، و المنهج الفلسفي، و المنهج السوسيولوجي…
و سوف نعطي نظرة موجزة عن مدلول هذه المناهج :
إن المنهج التاريخي
تستعين به الدراسات القانونية بمختلف فروعها، فإذا درسنا أصل القانون أو تطور حركة التشريع في فرع معين من فروع القانون، فلابد من الرجوع للحضارات القديمة و القوانين السابقة، و بالتالي لابد من استخدام المنهج التاريخي و التقيد بضوابطه. و يعرف المنهج التاريخي بأنه:” مجموعة الطرائق و التقنيات التي يتبعها الباحث للوصول إلى الحقيقة التاريخية، و إعادة بناء الماضي القانوني بكل دقائقه، و كما كان عليه في زمانه و مكانه، و هي طرائق و تقنيات قابلة دوما للتطور و التكامل مع تطور مجموع المعرفة الإنسانية و تكاملها و نهج اكتسابها”.
والمنهج المقارن
يستخدم استخداما واسعا في الدراسات القانونية، حيث يتيح استخدامه التعمق و الدقة في الدراسة و التحكم في موضوع البحث، فالدراسات المقارنة للنظم الاجتماعية، من بين الاهتمامات الرئيسة في العديد من الدراسات القانونية و الاجتماعية، و قد استعمل العديد من رواد الفكر الغربي التحليلات المقارنة للظواهر و النظم، بهدف الكشف عن أنماط التطور و اتجاهاته، رغم أن المقارنة بالمفهوم الحديث كمنهج قائم الذات حديث النشأة، فإن عملية المقارنة قديمة قدم الفكر الإنساني، و كمثال على ذلك كتاب روح القوانين” الذي درس فيه مونتسكيو الإرث بمنهجية مقارنة إذ قارن بين تشريعات مختلفة
أما المنهج التحليلي
فهو ذلك المنهج الذي ينتقل فيه الباحث من قاعدة كلية إلى أخرى جزئية، أي ينتقل من الحكم العام إلى الحكم الخاص، فالمنهج التحليلي يقوم على تحليل القاعدة القانونية العامة إلى جزيئات، و يعمم هذه القاعدة على تلك الجزيئات و يطبقها عليها، قصد اختبار صحة و فعالية هذه القاعدة و التأكد من مدى اتفاقها مع الواقع، و كمثال على تطبيقات هذا المنهج في مجال القانون الجنائي، أن يستند الباحث إلى القواعد العامة في القانون الجنائي، ليرى مدى إمكانية تطبيقها على الظواهر الإجرامية الحديثة، كظاهرة الإرهاب، و غسيل الأموال، و الجرائم المعلوماتية… و غيرها. فالباحث هنا يتتبع المنهج التحليلي ليقرر مدى إمكانية تجريم هذه الظواهر في ظل القواعد الجنائية القديمة.
والدراسات القانونية التي تستند على المناهج العلمية المختلفة بالإضافة للمنهج التحليلي التفسيري، تملك حظوظا وافرة للنجاح، سواء تعلق الأمر بقبولها من طرف المواطنين أو الرأي العام؛ وهي تساهم بالتالي في ترشيد المشرع نحو أفضل القواعد القانونية، و أنجع الصيغ التشريعية الملائمة، خصوصا الدراسات السوسيولوجية التي تربط القانون بالسوسيولوجيا، وتعتمد على الأبحاث الميدانية القبلية و الاستشرافية. و نتيجة لذلك برز الاهتمام السوسيولوجي بالقانون، مما أدى إلى ظهور فرع جديد سمي بعلم الاجتماع القانوني أو سوسيولوجيا القانون.
2 – سوسيولوجيا القانون
يبدو من الوهلة الأولى صعوبة تحقيق اتحاد إيجابي بين القانون وعلم الاجتماع، مادام رجال القانون يكتفون بدراسة الماهية القانونية، و علماء الاجتماع يفسرون الماهية الواقعية، أي دراسة الظواهر الاجتماعية.
وبغية الإلمام أكثر بسوسيولوجيا القانون نخصص نقطة أولى لتاريخ نشأة علم الاجتماع القانوني أو سوسيولوجيا القانون بصورة موجزة ثم نتطرق لعلم الاجتماع القانوني.
2 – 1 نشأة سوسيولوجيا القانون
يجمع علم الاجتماع القانوني بين علم الاجتماع من جهة، و القانون من جهة ثانية، و هذا كان سببا في طرح صراع بين الحقلين المعرفيين، بسبب اختلاف طرق التفكير و البحث، و الهدف لكل منهما، و قد شكل هذا الصراع محور مبررات التباعد و الصراع بين علماء الاجتماع و فقهاء القانون، و تأخير التقارب بينهما، و لعل من أبرز العلماء الذين ناقشوا هذه الموضوعات، العالم جون جورفيتش، إذ ذهب إلى أن أهم أسباب هذه الاختلافات، مرجعها إلى أن دراسة علم الاجتماع القانوني تتصل بالقانون من جهة و بعلم الاجتماع من جهة ثانية، و هناك اختلاف في التفكير و مناهج البحث في مجالي فقه القانون و علم الاجتماع القانوني. إلا أن الاتصال القائم بين كلا الحقلين من الناحية الواقعية أدى إلى تقاربهما بشكل تدريجي، فالقانون يعد حقيقة اجتماعية يمكن دراسته من زاوية علم الاجتماع، و و تطبيق مناهجه عليه.
ظهور علم الاجتماع :
و لم يظهر علم الاجتماع القانوني إلا بعد الحرب العالمية الثانية، بعد تزايد انفتاح علم الاجتماع على كل ما هو سياسي أو قانوني، رغم أن مجموعة من علماء الاجتماع و فقهاء القانون قد ساهموا من قبل في إبراز ذاتية علم الاجتماع القانوني، و استقلاله كفرع من العلوم الاجتماعية ( علم الاجتماع القانوني) أو كفرع من العلوم القانونية (سوسيولوجيا القانون).
ك إميل دوركايم،و ماكس فيبر، و يوجين إيرليخ، و نيكولا تيماشوف، و غيرهم، كما كانت هناك إسهامات غير مباشرة أشار إليها أفلاطون و أريسطو و ابن خلدون و مونتسكيو و أصحاب فلسفة العقد الاجتماعي، بالإضافة إلى وجود اتجاهات فكرية رائدة مهدت لظهور علم الاجتماع القانوني خلال القرن 20. فبعد تأسيس مجلة ” وثائق فلسفة القانون و علم الاجتماع القانوني” سنة 1931 تلاها انعقاد مؤتمرين بفرنسا سنة 1956 و 1958، و بدأ علم الاجتماع القانوني يدخل إلى كليات الحقوق و العلوم الاقتصادية في باريس ابتداء من 1956، ثم ظهرت بعد ذلك مجموعة من الدراسات في أوروبا و أمريكا، و تزايد المهتمين و الباحثين في ها المجال، و ظهرت مراكز للأبحاث في دول مختلفة ساهمت في تطور الدراسات الاجتماعية للقانون.
2 – 2 سوسيولوجيا القانون
إن مفهوم سوسيولوجيا القانون أو علم الاجتماع القانوني تثير عدة إشكاليات تتعلق أساسا باختلاف التعاريف التي أعطيت له من قبل المفكرين، و تنوع مواضيعه و صعوبة تعيين حدوده، تبعا لتعدد المنطلقات، و هذا إنما يدل على تعدد مواضيع علم الاجتماع القانوني و غناها، و التي تبين عن مكانته العلمية و أهميته العملية.
إن القانون ظاهرة موجودة في المجتمع بل في كل المجتمعات المنظمة التي تخضع لسلطة أو هيئة حاكمة تسهر على التنظيم و الضبط. فلا قانون و المجتمع وجهان لعملة واحدة إذ لا يتصور قانون دون مجتمع و لا مجتمع بدون قانون.
وقد عرف البعض علم الاجتماع القانوني، بأنه علم صياغة القوانين ومن ثم تهتم سوسيولوجيا القانون بدراسة نشأة القاعدة القانونية و أسباب تطورها و الآثار الاجتماعية الناتجة عن تطبيقها
في حين عرفه آخر، بأنه ذلك الفرع من فروع علم الاجتماع الحديثة النشأة، الذي يهتم بدراسة القواعد و الأحكام القانونية الموجودة داخل البناء الاجتماعي و طبيعة تكوينها و نشأتها. و يذهب اتجاه آخر إلى اعتبار أن المتعمق في دراسة فقه القانون يستطيع أن يصل إلى حقيقة أن جذور علم الاجتماع القانوني تتصل بالفقه أكثر من اتصالها بعلم الاجتماع، فقد نشأت المدرسة الاجتماعية في نظرية القانون بفضل مهارة و مقدرة بعض فقهاء القانون أمثال فون أهرنج و أوليفر هولمز و ليون دوجي و إيوجين إيرلخ و روسكو باوند.
جورج جورفيتش
و يعرف جورج جورفيتش علم الاجتماع القانوني، بأنه جزء من علم اجتماع الروح الإنسانية، الذي يدرس الحقيقة الاجتماعية الكاملة للقانون، و هو في سبيل تحقيق ذلك يبتدئ بملاحظة التعبيرات الخارجية للسلوك الجماعي، و من خلال التعرف على الأساس المادي للقانون المتمثل في الانتشار المكاني للنظم القانونية، حيث تنحصر وظيفة علم الاجتماع القانوني في تفسير أنماط السلوك و المظاهر المادية للقانون وفقا لما تحتويه المعاني الداخلية.
و لقد أكد المهتمين بهذا الحقل المعرفي على أهمية علم الاجتماع القانوني، بسبب تركيزه على دراسة النظام القانوني في إطار وسطه الاجتماعي، مما يساهم في تجاوز قصور الدراسات القانونية المحضة، فهو يتيح الاستفادة من مناهج البحث السوسيولوجي في دراسة الظاهرة القانونية و بالتالي المساهمة في جودة القانون، و في ترشيد المشرع و إنارة الطريق له نحو اعتماد أفضل القواعد القانونية الناجعة لمحاربة ظاهرة معينة، عن طرق توجيه المشرع نحو عناصر محددة تجنب إضاعة المجهودات و تشتتها، و ما يتطلبه ذلك من كلفة مادية و بشرية، كما تساهم دراسات سوسيولوجيا القانون في تمديد الزمن الواقعي للقانون، و تجنب إصدار قوانين تتضح عدم فاعليتها بعد مدة وجيزة من تنفيذها، كونه يهتم بدراسة الخلفيات الاجتماعية و الاقتصادية و المصلحية لمختلف العلاقات التي يحكمها النص القانوني.
خاتمــــة
في الحقيقة لا قانون بلا مجتمع، ولا مجتمع بلا قانون.
إنه لا تقوم الحاجة إلى القانون إلا إذا وجد مجتمع يمكن معه للأفراد الاحتكام إلى القانون في تنظيم علاقاتهم. إن التواجد الفردي للإنسان لن يكون معه هذا الفرد بحاجة إلى قانون يحكمه، وحيث هو مقدر للإنسان أن يحيى داخل مجتمع، فإن طبيعة الأشياء تقضي أن تقوم علاقات بين أفراد هذا المجتمع، سواء علاقات تعاون أو علاقات صراع، و التي من شأنها أن تخلق نزاعات بينهم، ولتفادي هذه الصراعات كان لزاما وضع قانون يحمي حقوق الأفراد ويصون حرياتهم ويحد من حرية الفرد لصالح الجماعة، كما يحد من إطلاق حريات الجماعة لصالح الفرد.
لكن يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع وعادات وتقاليد وثوابت الشعوب، وهذا لا يتأتى إلا بالانفتاح بل والتعامل مع مناهج العلوم الاجتماعية في مقدمته علم الاجتماع القانوني. بمعنى، إن الدراسات القانونية بحاجة إلى دراسات اجتماعية تمكنها من اعتماد النظم القانونية الملائمة للجسم الاجتماعي لإصلاح وإسعاد المجتمع والفرد.